الثلاثاء، 12 يونيو 2012

ماذا تعني الإرادة…….رؤية إعتزالية



334ima
 
 
 
الإرادة عند جمهور المعتزلة صفة لله عز وجل وهي صفة فعل لا صفة ذات، ومن ثم فهي حادثة ويري بعضهم أن إرادته - تعالي- توجد لا في محل وهو مذهب أبي علي الجبائي وابنه هشام ومن تابعهما ومنهم القاضي عبدالجبار الذي اختاره ودافع عنه، والله تعالي عند أهل العدل والتوحيد لا تتعلق إرادته بالبشر ولا يريد إلا الخير فقط ومن ثم يرون أنه لا يقع مراد الله بالنسبة الي الكفار والعصاه الذين أراد الله منهم الإيمان والطاعه وهذا لا يستلزم ضعفا ولا نقصا ينسب إليه تعالي ومثال ذلك أن المسلمين يريدون من الذمي الإسلام ولا يدل فقد ذلك منه علي ضعفهم ونقصهم وعجزهم، كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يريد الإيمان من اليهوم والنصاري وغيرهم ولا يدل عدم تحقق مراده علي ضعفه ونقصه، ولو كان وقوع غير مراد الله يستلزم النقص والضعف لكان أمره تعالي إلي الكفار بالإيمان مع عدم إيمانه دليلاً علي الضعف، وكذلك تكون بعثة الأنبياء إلي من لايؤمنون وفساد ذلك دليل علي فساد إدعاء من يقول: إن وقوع ما لايريده الله يستلزم الضعف والنقص.
 
ويري المعتزلة أن إرادة الله تتعلق بالموجودات علي جهتين:
 
1- إرادة حتم وجبر         2- إرادة أمر معها تمكين وتفويض
 
فأما الأولي وهي إرادة الحتم فهي ما أراد من خلق السماوات والأرض والجبال مما هو واقع لا محال.
 
 وأما المعني الثاني فهو الإرادة التي معها تمكين كقوله تعالي”وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” سورة الإسراء آية 23

 فكان قضاؤه سبحانه ما أمر به من أن لا نعبد معه غيره وما أمر به من البر والإحسان إلي الوالدين، فأراد من العباد أن يطيعوه ويعملوا له بما ركب فيهم وأحسن به إليهم من الاستطاعات، وما أعطاهم من الآلات بالاختيار منهم لطاعته والإيثار منهم لمرضاته، ليثيبهم علي فعلهم ويعاقبهم علي تركهم.
 
ومعني هذا أن الأمر إذا تعلق بالأفعال والمحدثات التي”هي خاصة بالخالق سبحانه ولا يستطيعها الإنسان، فإن الأمر حينئذ من الله والإرادة منه لا تقع لهما مخالفة ولا يمكن أن تقع هذه المخالفه من جهة الإنسان، أما إذا كان الأمر متعلقا بالأفعال والمحدثات التي هي في استطاعه الإنسان ونطاق قدرته، فإن من الممكن أن تقع فيها للإنسان إرادة، وأن تحدث وتنفذ هذه الإرادة، وأن تحدث وتنفذ هذه الإرادة في الوقت الذي لا يريد فيه الله هذه الإرادة وهذا المراد لأن إرادة الله في هذه الحالة ليست إرادة حتم إنما هي إرادة أمر وتوجيه ودعوة معها تمكين للإنسان علي أن يسلك الطريق الذي يريد ويختار…فملك الله إذاً والحالة هذه من الممكن أن يقع فيه ما لايريد” راجع كتاب الدكتور محمد عمارة، المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية
 
الإنسان حي مريد
 
والإنسان عند مدرسة أهل العدل والتوحيد قادر وحي ومريد، وهذا واضح من تعريفهم للإنسان المكلف فمثلا يقول القاضي عبدالجبار” وأعلم أن المكلف هو القادر العالم المدرك الحي المريد لأنه ـ تعالي ـ لا يكلف الفعل إلا القادر علي إيجاده العالم بكيفيته المريد لإحداثه علي وجه دون وجه ولا يكون القادر قادراً إلا وهو حي، ولا يصح أن يفصل حال الحي من غيره مدركا للمدركات عند ارتفاع الموانع وبصحة كونة عالما قادراً”
 
ونلاحظ أن أبوحامد الغزالي وابن تيمية (الأول أشعري العقيدة والثاني ظاهري)  يقتربان في ذلك من هذا التعريف لأن الإنسان عندهم حساس متحرك بالإرادة، أي أن الإنسان لا يكون قادراً إلا بالإرادة ولا تتحقق الإرادة إلا بالقدرة.
 
ويعرف القاضي عبدالجبار الإرادة بأنها ” ما يوجب كون الذات مريداً” ويري أن الواحد منا إذا رجع إلي نفسه ميز بين أن يكون علي هذه الصفة وبين أن يكون علي غيرها من الصفات وهذه أمور واضحة يعرفها الإنسان من نفسه.
 
أما الإنسان المريد فهو” المختص بصفة لكونه عليها يصح منه الفعل علي وجه دون وجه” ولقد فرق المعتزلة عند تفسيرهم للإرادة بين ما يتعلق بذات الله تعالي وبين ما يتعلق بالعباد.
 
فأما ما يتعلق بذاته تعالي فقالوا: إن الله مريد لجيمع أفعاله هو إلا الإرادة حتي لا يلزم التسلسل. وأما الجزء المتعلق بالعباد فقالوا: إن الله سبحانه يريد من أفعال غيره ما أمرهم به وندبهم إليه، ولا يريد منهم شيئا من القبائح.
 
 والإرادة عند المعتزلة في الجملة تكون قبل الفعل ومعه أما أنها قبل الفعل فلأن الواحد يعلم من نفسه أنه يريد الفعل في المستقبل ويعزم علي ذلك وأما أنها تكون مع الفعل فلأنه يصح العزم علي الأفعال ووجودها لأنها إرادة مخصوصة.
 
765ima
وإذا نظرنا إلي تحليل المعتزلة للإرادة فإننا نجدهم رغم اختلافهم إلا أن كل واحد منهم كان بمثابة وحدة سيكولوجية مستقله يصدر آراءه عن تأمل ذاتي ورؤية وذلك أنهم نظروا إلي الإرادة من ناحيتين:
 
الأولي:  مرحلة الهم بالفعل وهي المرحلة التي تسبق الفعل ومن نظر إلي هذه الناحية فسر الإرادة بأنها تكون قبل المراد.
 
الثانية: مرحلة القصد والتنفيذ وهي المرحلة التي يخرج فيها الفعل إلي الوجود وهي المرحلة الأخيرة في الإرادة وتأتي بعد مرحلة الهم بالفعل.
 
والحق أن كل مرحلة تكمل الأخري فالإرادة تتعلق بالمراد قبل وجوده ومعه وبذلك يشعر الإنسان بإرادته كاملة، وبحريته في أن يقدم علي الشيء أو لايقدم، وذلك لأنه يتحكم في هذه الإرادة عن طريق التربية فتطيعة في الإقدام علي فعل الخير فينفذه ويكبحها إذا همت بفعل الشر فتتراجع، وبالتالي يصبح الإنسان مسؤلا بحق عن أفعاله وإرادته إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
 
وقد اختلف علماء النفس المعاصرين في تفسير الإرادة وركز كل فريق منهم علي مرحلة دون مرحلة فيري فريق منهم أن محك الإرادة هو الإختيار والعزم دون التنفيذ وفريق آخر يري أن الفعل الإرادي لا يتم إلا بالتنفيذ فيما أنكرت المدرسة السلوكية الإرادة وقالت عنها: إنها وهم من الأوهام.
 
الإرادة الإلهية
 
لايوجد خلاف بين رجال المعتزلة في أن الإرادة من صفات الفعل إلا ما حكي عن بشر بن المعتمر أنه قال: إن الإرادة من الله عز وجل علي وجهين:          1- صفة ذات      2- صفة فعل
 
فالإرادة التي هي صفة ذات أنه لم يزل مريدا لجيمع أفعاله وجميع طاعات عباده لأنه لا يجوز عنده أن يعلم عالم صلاحاً وخيراً ولايريده.
 
والإرادة التي هي صفة فعل إذا كان المراد بها فعل الله نفسه وهي خلق له قبل الفعل لأن الشيئين لا يكون أحدهما يصاحبه وهما معا وإذا أراد بها فعل عباده فهي الأمر به.
 
وقد اختلفوا فيما هي الإرادة الإلهية فمثلا نري :
 
1-     أبو الهذيل العلاف نظر إلي أحد العناصر المكونة للإرادة الإنسانية وهو ما يسمية علماء النفس المعاصر بعنصر الاختيار وفسر به الإرادة الإلهية، حيث ذهب إلي أن إرادة الله غير المراد فإرادته لما خلقه هي خلقه له، وهي معه وخلق الشيء عنده غير الشيء. أما إرادته لطاعات العباد فهي أمره بها، فأبو الهذيل يفرق بين الإرادة الإلهية باعتبارها صفة ذات وباعتبارها صفة الفعل، وعلي هذا فإن قول الأشعري عنه بأنه “لم يجعل الإرادة أمرا ولا حكما ولا خبرا” غير صحيح علي إطلاقه.
 
2-     إذا كان ابوالهذيل قد ركز علي عنصر الاختيار فإن العلامة النظام قد ركز علي العنصر الذي يليه من عناصر الإرادة وهو عنصر العزم والتنفيذ، وهو العنصر الأخيرمن عناصر الإرادة وبه يصبح الفعل حقيقة واقعة، وفسر به الإرادة الإلهية فهي عنده فعله أو أمره أو حكمه.
 
3-     وذهب الجاحظ الي أنه تعالي مريد بمعني أن السهو منه في أفعاله والجهل بها لا يجوز عليه فيقول ” وقد يقال في الحي إنه مريد في اللغة علي هذا الوجه” وأما الإرادة المتعلقه بفعل الغير عنده فهي ميل النفس إليه وهذا معناه في الاصطلاح كما ورد لدي الجرجاني بأن الإرادة الإنسانية “ميل يعقب اعتقاد النفع” فالجاحظ لم ينكر دور الإنسان ومسؤليته في تربية الإرادة وتعويدها وتقويتها علي الفعل والسلوك، والذي ذكره الجاحظ عن الإرادة المتعلقه بفعل الغير قريب جدا من تعريف الإرادة لدي علماء النفس المعاصرين .
 
والإرادة لدي مدرسة أهل العدل والتوحيد تشتمل علي معاني المحبة والرضا والاختيار والولاية، وكلها تشتمل علي معاني الخير، وهذا ما عبر عنه علماء النفس بانتصار الميول السامية، فالمعتزلة تناولوا ذلك بالتفصيل والتحليل الدقيق فإرادة الله للشيء تعني محبته لأن إرادته لا تتعلق بما لا يحب والرضا به تعني إرادته للشيء بعد وجوده والاختيار إرادة أيضا ولكن يوصف بذلك إذا آثر الفعل علي غيره، أما الولاية فإنها إرادة الثواب والتعظيم والتبجيل والأمر بذلك.
 
 
 
وتحدث المعتزلة عن العناصر المكونة للإرادة وما يتصل بها مثل مصطلحات : القصد والإيثار والعزم وهل هي خلق أولا؟ وهي نفسها العناصر التي تناولها علماء النفس المعاصرون وبألفاظ هي هي.
 
فأما القصد فهو إرادة فعل الإنسان في حاله أو حال مسببه فهي تقع مقارنه للفعل وأما الإيثار فهر إرادة الشيء الذي يختار علي غيره، وأما العزم فهو إرادة الإنسان لفعل نفسه إذا تقدمته وتقدمت سببه ولذلك لا يحسن علي الله العزم.
 
فهذه العناصر الثلاثة هي المكونة للإرادة عند المعتزلة ويمكن أن نرتبها علي النحو التالي:    1- العزم             2- الإيثار                  3- القصد
 
وقولهم هذا ناتج عن قولهم بأن الإرادة : تصح أن تتقدم الفعل كما يصح أن تقارنه.
 
 وهذا الذي ذهبوا إليه قريب منه جداً عناصر الإرادة لدي علماء النفس فهي عندهم علي النحو التالي: 
 
1- الكف                 2- الانتباه والجهد          3- الروية والاختيار                    4- العزم والتنفيذ
 
نخلص مما سبق أن أهل العدل والتوحيد قالو بإرادة حقيقية للإنسان وقالوا إن الفعل حتي يكون مراداً للإنسان لابد أن تجتمع فيه مجموعه من الشروط:
 
1-     أن يكون المريد عالما بما يفعله، وإلا كان غير مريد للفعل حتي ولو وقع أن حدث منه.
2-     أن يكون له غرض في هذا الفعل، لأن الإرادة هي ميل ومحبة ورغبة في الفعل.
3-     أن يكون هذا الفعل مقصودا بنفسه غير تابع لغيره.
4-     أن تنتفي الموانع التي تحول بين الإنسان وبين الفعل لأن لو مُنع والحال كما ذكرناه من الإرادة لكان يصح منه الفعل ولا إرادة.
 
 
هل هناك ثمة علاقة بين التربية وإرادة الإنسان؟
 
أهل العدل والتوحيد كما سبق تحدثوا عن الإرادة من خلال دوافعها وغايتها التي تنصب عليها وممارسة الأعمال الإرادية ذاتها ودور التربية في ذلك يكون عن طريق تقوية هذه الدوافع والغايات حتي تتأتي الممارسة مطابقة للسلوك الحسن أو بانتصار الميول السامية حسب تعبير علماء النفس، وبذلك تكون الأعمال الإنسانية مقصودة ومحددة ولا مجال للتردد أو القلق وهما من العوائق أمام تقدم الفرد والمجتمع، وذلك لأن التربية الحقيقية هي التي تكون قادرة علي تشكيل الإرادات واكتشاف الطاقات والتعرف علي القابليات والميول والتزويد بالمهارات التي تجعل الإنسان قادرا علي التعامل مع الواقع والنهوض به إلي مستويات المثل الأعلي والأهداف الممكنة.
 
وتربية الإرادة وقيادتها بالتعليم والتدريب المستمر من العوامل الهامة في تنمية الموارد البشرية وفي تحقيق إنسانية الإنسان وفي تطوير المجتمع وتنميته عن طريق محاولة خلق آفاق جديدة ومتطورة للعيش والحياه الكريمة السعيدة، ورجال الإعتزال قد اهتموا بالجانب الإرادي في الإنسان بحيث يمكن القول إن أظهر سمات الإنسان عندهم أنه قادر ومريد وأهمية هذا الجانب تتضح ليس فقط من خلال أن الإرادة جزء حيوي وهام في تحقيق الفعل عمليا لكن أيضا في ضرورة الإرادة لمسؤلية الإنسان عن عمله، وفي هذا يقول أحد المفكرين” وإذن فالشروط الضرورية والكافية لمسؤليتنا أمام الله وأمام أنفسنا هي: أن يكون العمل شخصيا وإراديا ثم أداؤه بحرية – دون إكراه- وأن تكون علي وعي كامل علي معرفة بالشرع أو القانون”
 
ولهذا وجدنا انهم ـ أي المعتزلةـ مجمعون علي أهمية الإرادة وضرورتها حتي الذين اختلفوا معهم في الفعل الإنساني اتفقوا معهم في هذا وذهبوا إلي أن لا فعل للإنسان إلا الإرادة كما ورد عن الأديب الجاحظ وثمامة ومعمر.ولا بد أن نفهم أن المعتزلة قصدوا الي تنزيه الله عن النقص في ضوء هذا الفهم لمعني الإرادة.

1 التعليقات:

  1. Slot machines at the best of times - JTHub
    The best machines at JTG will 양산 출장샵 pay you for playing 서울특별 출장샵 the right 제주도 출장마사지 slots games, at all times, the slot machines you have 순천 출장마사지 a 하남 출장마사지 better chance of winning.

    ردحذف