الجمعة، 8 يونيو 2012

ابن المقفع يكتب: كان لي صديق………..



 132ima

هو عبد الله بن المقفّع، وكان اسمه روزبه قبل أن يسلم. ولد في حور في فارس، لقِّب أبوه بالمقفّع لتشنّج أصابع يديه على اثر تنكيل الحجاج به بتهمة مدّ يده إلى أموال الدولة, درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء, رافق الأزمات السياسية في زمن الدولتين الأموية والعباسية, كان فاضلا ونبيلا وكريما ووفيا ومن القصص التي تدلّ على صدقه ووفائه، انه لما قُتل مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، اختفى عبدالحميد الكاتب، فعُثِرَ عليه عند ابن المقفّع، وكان صديقه. وعندما سئِل الرجلان: أيُّكما عبد الحميد؟ قال كل واحد منهما “أنا” خوفا على صاحبه.

وكان الوالي يكرهه فأغتاله وأماته شر ميتة، راح الأديب العبقري والإنسان الفاضل، ضحية السياسة والخلافات السياسية داخل الأسرة العباسية، ولم يقتل كخصم سياسي، بل ألصقت به تهمة الزندقة التي هو منها بريء بشهادة مؤلفاته، وبشهادة الأبحاث التي دارت حول حياته وفكره.
 
 
 نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة التي وصلت إلينا الأدب الكبير والصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالسلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به وقد استنطق الحيوان كشكل للدلالة علي تأزم العلاقة بين المثقف والسلطة والأدب الصغير يدور حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة، من أعماله مقدمة كليلة ودمنة، ورسالة “الصحابة” التي تدور حول الجند والقضاء والخراج، وتلك الرسالة تحوي الكثير من آراء ابن المقفع السياسية لإدارة الدولة الإسلامية المترامية الأطراف بحكمة، وذلك بإصلاح حال المجتمع، ورفع مستوى الجند والخراج والقضاء، وفي هذه الرسالة إشارة هامة وواضحة إلى ضرورة وجود ما يشبه “القانون العام” للقضاة بحيث لا تترك القضايا للاجتهادات الشخصية للقاضي..
 
سُئل ابن المقفّع “من أدّبك”؟ فقال: “نفسي. إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته”
72imag
يقول عبدالله ابن المقفع يصف الصديق المثالي الذي تدل صفاته وأخلاقه على النموذج الذي يرتجيه كل امرئ في صديقه سواء كان ذلك في عصر ابن المقفع أو في العصر الذي يظلنا فكلمات ابن المقفع أقرب الى منهج للصداقة قبل أن تكون وصفا للصديق يقول:
  كان لي أخ أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهى مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجا من سلطان فربه، فلا تدعوه اليه مؤنة ولا يستخف له رأيا ولا بدنا. وكان لا يتأثر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة. وكان خارجا من سلطان لسانه، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يمارس فيما علم، وكان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يتقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال بز القائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإذا جد الجد فهو الليث عاديا. وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مراء ولا يٌدلى بحجة حتى يرى قاضيا فهما وشهودا عدولا. وكان لا يلوم أحدا فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما عذره. وكان لا يشكو وجعه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة. وكان لا يتبرم ولا يتسخط، ولا يشتكى ولا يتشهى ولا ينتقم من العدو، ولا يغفل عن الولي ولا يخص نفسه بشيء دون اخوانه من اهتمامه وحيلته وقوته.
 
 فعليك بهذه الاخلاق ان اطقتها وان تطيق ولكن اخذ القليل خير من ترك الجميع وعلى ذكر: (وان قال بز القائلين) قال ابن كناسة واسمه محمد بن عبدالله، ويكنى ابا يحيى - في ابراهيم بن ادهم الزاهد: (رأيتك لا ترضى بما دونه الرضا/ وقد كان يرضى دون ذاك ابن ادهما - وكان يرى الدنيا صغيرا عظيمها / وكان لامر الله فيها معظما - واكثر ما تلقاه في الناس صامتا/ وان قال بز القائلين فأفحما - يتيع الغنى في الناس ان مسه الغنى/ وتلقى به البأساء عيسى بن مريما - اهان الهوى حتى تجنبه الهوى/ كما اجتنب الجانب الدم الطالب الدما).
 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق