الفرق بين الشيعة والسنة في المحصلة النهائية لا يختلف عن الفرق بين مذاهب الطائفة الواحدة، بل هو أقل ضراوة من الخصومات الدامية التي نشبت في التاريخ بين أبناء المذهب الواحد. وأتمنى أن أوفق في التعبير عما ترسخ في مخيلتي من ملاحظة البون الشاسع والمترامي الأطراف ما بين واقع المذاهب الإسلامية اليوم، وخصائص نشأتها ومراحل تطورها.
وأضرب لك مثلا المذهب الحنبلي، الذي أصبح اليوم في الطرف الأبعد من الشيعة الإمامية. بينما كان يوما من الأيام مذهب الكثيرين من أعلام الشيعة الإمامية.
فهذا ابن الفوطي (ت723هـ) صاحب (معجم الألقاب) والذي كان قيما لأكبر مكتبة في الدنيا في عصره (مكتبة الرصد) لم يجد ما يعيبه في أن يكون شيعياً حنبليا، وهذا الحكيم الطوفي (ت710هـ)، وهو من تلاميذ ابن تيمية كما ذكر ابن رجب، كان حنبليا شيعيا، وترك خزانة كتب من تصانيفه.
وهذا شيخ الإمامية وعالمهم في عصره شمس الدين محمد بن أبي بكرالسكاكيني، كل مشايخه من أهل السنة، وقد خرَّج له ابن الفخر: علاء الدين ابن تيمية(ت701هـ) مارواه عنهم وناظره شيخ الإسلام ابن تيمية وشهد له بالتفوق وقال: (هو ممن يتشيع به السني، ويتسنن به الرافضي) ونسخ صحيح البخاري بيده، وتوفي يوم 26/ صفر/ 721هـ ومولده سنة (635) وهو صاحب القصيدة المشهورة التي رد عليها ابن تيمية، وأولها: (أيا معشر الإسلام ذمّي دينكم … تحير دلوه بأوضح حجة)… وهو صاحب الكتاب المظلوم (الطرائف في معرفة الطوائف) الذي قطعه التقي السبكي وغسله بالماء ثم أحرقه. وهو غير كتاب ابن طاووس المطبوع بنفس الاسم. ولو رجعنا إلى أبعد من ذلك رأينا الحلاج وهو رأس العجائب والغرائب، كان حنبليا لا ينتطح في ذلك عنزان.
ولو قلبت النظر في طبقات الحنابلة رأيت عشرات الأعلام، ولدوا ونشأوا وعاشوا وماتوا في أجواء بعيدة كل البعد عن حنبلية القرون الأخيرة.
فما أحوجنا إلى حدة في النظر تتجاوز غبار الطائفية وإرثها، لتصل إلى دراسة علاقة المذاهب الإسلامية في ظلال الدول التي رزقت قسطا من الأمن والاستقرار. أتمنى أن نعود إلى الوراء قرونا عدة، ونقرأ ترجمة البهاء العاملي (كبير الشيعة في عصره) بقلم المحبي (كبير أهل السنة في دمشق) قال في خلاصة الأثر: (وهو أحق من كل حقيق بذكر أخباره ونشر مزاياه وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه، وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم، والتضلع بدقائق الفنون، وما أظن الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده، وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من أخباره …إلخ).
جدير بالذكر أن شيخ الأزهر سابقا الشيخ محمود شلتوت قال” لقد كان أكثر الكاتبين عن الفرق الاسلامية متأثر بروح التعصب الممقوت فكانت كتاباتهم مما تورث نيران العداوة والبغضاء بين ابناء الملة الواحدة. وكان كل كاتب لا ينظر الى خلفه الا من زاوية واحدة وهي تسخيف رأيه وتسفيه عقيدته بأسلوب لا يليق بالمسلم وشره أكثر من نفعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاني الي نسخ هذه الكلمات ما أشاهده علي المنتديات والمواقع الإلكترونية والمدونات وبعض الصحف والكتاب من تشنجات وتعصبات مذهبية مقيته في ظل انحطاط الأمة وانهيارها علي كل الأصعده….فكل طرف يتصيد كلمة من الطرف الآخر المخالف له ويعرضها علي أنها هي كل المذهب ويقابل هذا الغلو بغلو آخر فلا حول ولا قوة إلا بالله فما هو المخرج ؟ وهل سنظل في هذه الدائرة المغلقة اللانهائية من السب والقذف والتجريح في بعضنا البعض؟
لم لا ننشر للناس أقوال أهل الإعتدال من الطرفين ؟ ولنسامح ولنغفر ما ذلت به الألسن فكل ابن آدم خطاء وكم رحب العقلاء من أهل السنة بالحوار والتقريب بين أهل المذاهب وعلي الجانب الآخر رحب العقلاء من إخواننا الشيعة بذات الأمر فلم لا نسلط الضوء علي العقلاء وأهل الحل والعقد الفكريين من الجانبين ونغض الطرف عن المتعصبين والمتشددين؟
ولا يعني هذا أن لا ينتقد كل طرف آراء أو أفكار أو معتقدات الآخر بكل شروط النقد وآدابه وأركانه..بدون خروج الي التكفير والتفسيق والتبديع و...الخ.
فيا أيها المسلمون هيا إلي التقارب واللحمة والأخوة ونبذ النزاع الطائفي والعرقي والمذهبي والسياسي نحو الوحدة المنشودة حتي ولو علي المستوي الروحي والفكري أو علي الأقل التسامح والتعايش المفقود بعيدا عن التكفير والتبديع والتفسيق اللامحدود…..
هذا موقع الوحدة الإسلامية لكم أن تزوره : وتستفيدوا منه
0 التعليقات:
إرسال تعليق