نقدم لقراءنا الأعزاء استمرار الجدال بين الأشاعرة والوهابية من أهل الحديث كتاب الشيخ سعيد فودة المسمي ب" الفرق العظيم بين التوحيد و التجسيم"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفرق العظيم بين التوحيد والتجسيم
قال الشيخ سعيد فودة:
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله
والصلاة، والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومَن والاه واتبعه بإحسان إلى يوم
الدين:
أما بعد
فهذه كلمات قليلة تبين بعضَ الأمور التي كثر الاختلاف فيها،
كتبتها لما رأيت الناس في هذا الزمان قد اختلطت عندهم الأمور، وصار الحاذق منهم لا
يعرف طريق الاهتداء وأحسَنُ ما يمكنه فعله هو التوقف في أمور لا يجوز له التوقف
فيها، لأنها من أصول الدين التي لا يعذر الجاهل بها، وترى الذكي الألمعي عند عامة
الناس أقصى ما يستطيع قوله هو لا أدري، وهذه الكلمة نصف العلم فعلا، ولكن في أمور
وأمور.
واعلم أيها المسلم التقي، أن الجهل بأصول الدين قد عمَّ وانتشر في هذا
الزمان، وازداد اضطراب الناس في أمور دينهم، وما ذاك إلا لتقصير أولي الأمر من
العلماء فهؤلاء لاهون عن الناس بأمور ظنوا أنها تفيد في نشر الدين وعودة سلطانه،
وأشغلوا أنفسهم بمقالات لا تغني من جوع، وغفلوا عن وظيفتهم الأولى وهي تبليغ شئون
الدين إلى الخلق، وهذا لا يتم إلا بمخالطتهم والصبر على أذاهم في سبيل المُهِمِّ،
كما كان يفعل الأنبياء، وهذا ما يجب أن يفعله أئمة الدين من العلماء، فإنهم ورثة
الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا إلا علما، وعلى من ينصِّبُ نفسه لاستحقاق هذا
الميراث أن يلتزم بحقه، وهو التبليغ.
ولما رأى الناس موقع العلماء فارغا، ألقوا
بأنفسهم بين أيدي من نَصَّبَ نفسه له وإن لم يكن من أهله. فضلوا طريقهم في الحياة
الدنيا، وصاروا يجرون وراء كل صارخ، وسلموا أمور دينهم للجاهلين المتعالمين، وصار
جمهور الناس أُلعوبة بأيدي اللاعبين.
وبناء على هذا وغيره، فقد وجب على كل ذي
علم أن يقوم بهداية الناس إلى الدين الحق في كل الأمور، في العقائد وفي الشرائع،
وذلك حتى تستقيم أمور الناس على منهاج رب العالمين الذي ارتضاه لهم.
وهذه
الرسالة سميتها (الفرق العظيم بين التوحيد والتجسيم)، وقد دعاني إلى كتابتها ما
رأيت عند كثير من الناس من الخلط بين الأمرين، ومن المعلوم أنه لا يستقيم أساس
الدين إلا على أساس التوحيد، فالإسلام دين التوحيد، وأيضا فقد انتشر بين عامة الناس
وخاصتهم جهلهم باعتقاد أهل السنة والجماعة، فَرُمْتُ بهذه الرسالة تبيين المعتقد
ورد المذهب المنتقد. وجريت فيها على تبيين أصول كافية لبعض الفرق الإسلامية ليسهل
على الناس التمييز بين الحق والباطل.
بيان أصل نشوء التشبيه عند أهل
الإسلام
قال أبو محمد ابن حزم في الفِصَلِ([1]):
"في أول ورقة من توراة اليهود التي عند ربانيهم وعانانيهم وعيسويه حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها لا يختلفون فيها على صفة واحدة، لو رام أن يزيد فيها لفظة أو ينقص أخرى لافتضح عند جميعهم مبلغة ذلك إلى أحبارهم الذين كانوا أيام ملك الهارونية لهم قبل الخراب الثاني بدهر يذكرون أنها مبلغة ذلك من أؤلئك إلى عذراء الوراق الهاروني ففي صدرها:" قال الله تعالى اصنع بناء آدم كصورتنا كشبهنا"، قال أبو محمد بن حزم: ولو لم يقل إلا كصورتنا لكان له وجه حسن ومعنى صحيح، وهو أن نضيف الصورة إلى الله تعالى إضافة الملك والخلق، كما تقول هذا عمل الله، وتقول للقرد والقبيح والحسن:هذه صورة الله، أي تصوير الله، والصفة التي انفرد بملكها وخلقها. لكن قوله كشبهنا منع التأويلات وسد المخارج وقطع السبل، وأوجب شبه آدم لله عز وجل ولا بد ضرورةً، وهذا يُعْلَمُ بطلانه ببديهة العقل إذا الشبه والمثل واحد، وحاشى لله أن يكون له مثل أو شبه".اهـ
هذا كلام عظيم المعنى، فهو يبين أن اليهود يقولون بأن الله تعالى مثلنا في
صورته فهم مشبهة، وأيضا ينص على أن هذا القول مردود عقلا ونقلا، ولا يجوز لمسلم أن
يقول به، وقد نص علماء الفِرَقِ على أن اليهود هم أصل التشبيه، وأنهم قسمان، الأول
مشبهة والثاني قدريون،
فقال الإمام العلامة أبو المظفر الإسفراييني صاحب كتاب
التبصير في الدين بخصوص المشبهة منهم:
"هم الأصل في التشبيه، وكل من قال قولا في دولة الإسلام بشيء من التشبيه
فقد نسج على منوالهم([2])."اهـ
فليعلم الذين ينتمون إلى الإسلام ويقولون
بالتشبيه بأي فريق يقتدون، وإلى أيِّ سلفٍ يرجعون.
عوامل ابتعاد الناس عن النهج
السليم :
لما ابتعدت المسافة والزمان بين الناس وبين نهج الصحابة، ولما قلَّ
تأثُّرهم بنور النبوة، صارت الشبه تتوارد عليهم، وصار بعضهم يتصور إلهه على صورة
إنسان كما يوحي إليه خياله وخيال شيطانه، واختلفت الناس في هذه الأمور باختلاطهم مع
أهل البلاد المفتوحة مثل المجوس في فارس والهنود وغيرهم من الأقوام، وصار اليهود
والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل والنحل وأصحاب المذاهب والآراء يعملون عملهم
ويؤثرون في عقول السذج من المسلمين، فصار الغبَشُ يحوِّمُ على عقائد القوم.
فلما
رأى السلف من أصحاب الحديث هذه الأحوال، تحيروا في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة
في متشابهات آيات الكتاب وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما أحمد بن حنبل
وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين من
أصحاب الحديث مثل مالك بن أنس، وسلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب
والسنة ولا نتعرض للتأويل، بعد أن نعلم قطعا أن الله تعالى لا يشبه شيئا من
المخلوقات، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقَدِّرُه.
هذا حاصل ما ذكره
الشهرستاني، ثم قال([3]):
"وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا من حرَّك يده عند قراءته
"خلقت بيديَّ" أو أشار بإصبعه عند روايته "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن"،
وجب قطع يده وقلع أصبعه. وقالوا: إنما توقفنا في تفسير الآية وتأويلها
لأمرين
أحدهما: المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى"فأما الذين في قلوبهم زيغ
فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله
والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"، فنحن نحترز عن
التأويل.
والثاني: إن التأويل أمر مظنون بالاتفاق، والقول في صفات الباري تعالى
بالظن غير جائز، فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ، بل
نقول كما قال الراسخون في العلم"كلٌّ من عند ربنا" آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه
ووكلنا علمه إلى الله تعالى. ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك، إذ ليس من شرائط الإيمان
وأركانه. "
قال الشهرستاني:
"واحتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم يقرأ اليد
بالفارسية ولا الوجه ولا الاستواء ولا ما ورد من جنس ذلك، بل إن احتاج في ذكرها إلى
عبارة عبر عنها بما ورد لفظا بلفظ. فهذا هو طريق السلامة، وليس هو من التشبيه
بشيء."اهـ
فانظروا رحمكم الله إلى دقة هذا الأسلوب وعظم دلالته على حرص السلف
الصالح على الامتثال بأوامر الله تعالى من حيث احتياطهم لعدم الوقوع في الخطأ،
ويؤيد هذا الكلام الثابت عن أئمة السلف مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، قال عندما
سئل عن أحاديث الصفات: "نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى".اهـ
وقال الإمام
الحافظ الترمذي في سننه(4/692):
"والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل
سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عُيَيْنَة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه
الأشياء ثم قالوا: تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل
الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفَسَّر، ولا تُتَوَهَّم، ولا
يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه".اهـ
هذا هو مذهب السلف رحمهم الله تعالى، فهم يفوضون في المعنى ولا يفسرون،
فأين هذا المذهب من قول من يفسر وينسب لله تعالى اليد والجارحة، والاستواء الذي هو
جلوس واستقرار وماسة، ونزول هو حركة وانتقال وغير ذلك من ترهات وتوهمات، فهل هذا هو
الذي يقصده السلف عندما يقولون "أمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير" فأين الذين يثبتون
صفات لله تعالى هي مثل صفات البشر ممن يفوضون علم الآيات المتشابهات كلها إلى الله
تعالى مع التنزيه. وليس هذا هو موضع بيان مذهب أولئك الذين ينتسبون إلى السلف
الصالح، ويُلَبِّسون على عامة الناس ببعض التهويلات، وتصدر منهم كلمات لا يفهمون
معناها، ويتصدرون المجالس فيفتون الناس فيضلون ويضلون، بل سوف نزيد بيان أحوالهم
خصوصا في هذا العصر فيما يلي من الفصول إن شاء الله تعالى.
وسوف نزيد مذهب السلف
بيانا، لنوضح كيف أن السلف يستحيل أن يصدق عليهم أنهم كانوا من المشبهة الذين
يثبتون الجهة والحدَّ والحركة والحيز لله تعالى،
قال الشيخ العلامة شهاب الدين
الحلبيُّ المشهورُ باب جهبل([4]):
"ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون
التجسيم والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف
وكلٌّ يدعون وصال ليلى
وليلى لاتُقِرُّ لهم بذاكا
وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكتون
عند ظهور البدع وقد قال الله (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم
تعلمون)([5])
وقال الله تعالى(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب
لتُبَيِّنُنَّه للنا ولا تكتمونه)([6])
وقال الله تعالى(لتبين للناس ما نُزِّل
إليهم)"اهـ.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته:
" إن الله واحد لا شريك
له ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء لا
يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تشبهه
الأنام"اهـ
فانظروا عباد الله في كلام هؤلاء الأعلام، وليختبر كل واحد منكم نفسه، هل
يتصور صورة معينة لمعبوده، هل يتصوره جسما أو كبيرا أو صغيرا في الحجم، هل يتصوره
يمشي في الأسواق كما يمشي الناس، هل يتصور له شكلا معينا مثل الإنسان لكنه أكبر مما
نراه، كما يقول المشبهة، هل يتصوره جالسا على عرشه كما يجلس الناس، هل يتوهمه مماسا
للعرش ملاصقا له أو بينه وبين العرش مسافة، هل يتوهمه يَقْتَرِبُ من عباده في
المكان حتى يمكننا أن نشير إليه ونحدده بمكان دون مكان، أو جهة دون جهة، أيها
المسلمون يجب عليكم محاسبة أنفسكم من داخلها ولا تغرنكم كلمات ترددونها دون فهم
معنى لها، يجب أن تهتموا بما في الصدور، هل تتصورون لله مثلا، سواء في ذاته أو
صفاته أو أفعاله، إذا كان كذلك فارموا بهذه العقائد الزائفة عرض الحائط، وسارعوا
إلى مغفرة من ربكم، وقولوا كما قال الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
ولا تتصوروا أن مجرد قولكم إننا سلفيون متبعون للسلف ينجيكم، فلم يكن للسلف عقائد
فاسدة ولم يكونوا يشبهون خالقهم بشيء، ولم يكن أهل الإسلام من أهل القرون الأولى
المشهود لها بالخيرية يقولون: إن جمهور علماء الإسلام مبتدعة، ويحكم كيف تحكمون؟!
هل علماء الإسلام وحفاظهم وأهل الفقه والتفسير واللغة والعلوم مبتدعة، وأنتم فقط
أهل السنة والجماعة، أين علمكم بجانب علم هؤلاء، وأين ورعكم وتقواكم ، وماذا فعلتم
للإسلام سوى إثارة بعض الفتن على بعض المسائل الفقهية التي جعل الله تعالى اختلاف
العلماء فيها رحمة، وأهملتم أصول الدين وقواعده الكلية وقلتم في أصول الدين بأقوال
المجسمة والمشبهة، وظننتم أنكم أنتم الناجون، لعمري إن من يفكر بهذا الأسلوب ما هو
إلا من الجاهلين الذين يبالغون في الغي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
التنزيه بين النفي والتشبيه :
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله
تعالى:
"ومن لم يتوقَّ النفي والتشبيه زلَّ ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا
موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية، ليس بمعناه أحد من البرية، تعالى
الله عن الحدود والغايات والأركان والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر
المبتدعات."اهـ
وهذا كلام كله فوائد، وهو حقيق أن يحفظ بلفظه، وقد اشتهرت عقيدة الطحاوي في
البلاد بين الناس، ووقع الاتفاق جملةً على صحة ما فيها وأنه يمثل عقيدة أهل السنة،
وحاصل معنى هذه الفقرة على وجه الإيجاز، أنه لا يجوز لنا أن ننفي معنى ثبت بالنص في
حق الله تعالى، فمثلا إذا ورد في النقل أن الله سميع، وكان ما يفهمه عامة الناس من
ظاهر السمع هو اتصال الأمواج الصوتية بطبلة الأذن ثم انتقال الموجات من خلال السائل
السمعي إلى الدماغ وتفسيرها هناك، فلا يجوز أن نقول بنفي أصل هذه الكلمة، بحجة أنه
يلزم منها النقص، بل نحن نثبت أصلها أي مطلق أن الله سميع، وننفي أن يكون له أذن
مثلا، وننفي أن يكون له عضو يحصل بواسطته السمع بل وننفي أن يكون أصل سمع الله
تعالى مثل سمعنا، فالحاصل أننا نثبت له سمعا يليق بجلاله وننزهه عن صفات المخلوقين.
هذا في اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد، أما ما يحتمل أكثر من معنى فالواجب عندذاك
هو البحث عن المعنى اللائق بالله تعالى فنصرف اللفظ عن المعنى الباطل الذي لا يجوز
نسبته إليه تعالى ونحمله على المعنى الصحيح، وهذا هو معنى التأويل.
فهذا ما
يلزمنا أن نفعله لكي نتوقى النفي، وأما التشبيه فيجب علينا توقيه أيضا، فالله تعالى
موصوف بصفات الوحدانية وصفاته ليست كصفات أحد من المخلوقات، هذا هو الأصل الكلي في
توقي التشبيه. فكل ما يدل على الحدوث وعلى سمة النقص فالرب يتعالى ويتقدس عنه. وكون
الشيء له نهاية في وجوده اللائق به فهذا هو المحدود، وهذا نقص. والاتصاف بالأركان
وهي الأجزاء نقص، لأن في ذلك دلالة على وجود من ركَّبَ هذه الأجزاء، وكذلك الاتصاف
بالأدوات وهي الآلات التي يتوصل بها إلى ما يريد صاحبها، تدل على نقصه. فلذلك لما
اتصف الانسان بالأركان والأدوات عرفنا أنه ناقص، لأن كل أداة وكل ركن فهو ناقص.
وكذلك يكون كل من هو في جهة من الجهات محدودا، وقد عرفنا أن المحدود ناقص. ولهذا
ينفي الإمام الطحاوي أن يكون الله تعالى في جهة من الجهات، وعلى ذلك مذهب أهل السنة
كلهم، ولم يخالفهم في هذا إلا من التحق بالحشوية من المشبهة، قال الشيخ شهاب الدين
الحلبي:"مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهب واهٍ ساقط ، يظهر فساده من مجرد
تصوره،
حتى قالت الأئمة:
لولا اغترار العامة بهم([7])
لما صُرِفَ إليهم
عنان الفكر، ولا قَطَرَ القلم في الردِّ عليهم"([8])،
وقال:"وبالله أقسم يميناً
بَرَّةً، ما هي مرة، بل ألفُ ألفِ مرة، أن سيد الرسل صلى الله عليه وسلم لم يقل
أيها الناس اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو"([9]).اهـ
ولاحظ أنه يوجد فرق
عظيم بين مطلق العلوِّ وبين جهة العلو، فالذي ورد في الشرع ويجب على المسلم أن يؤمن
به، هو أن الله تعالى عليٌّ، وهذا هو مطلق العلو، أما أن يقال الله تعالى في جهة هي
الفوق، فلم يَرِدْ، بل هو باطل لا يجوز اعتقاده، ولذلك نفى أبو جعفر الطحاوي الجهات
كلها عن الله تعالى، ولو كانت جهة العلو ثابتة في حق الله تعالى فما الذي يمنع
الطحاوي من التصريح بها أو استثنائها من سائر الجهات؟ وأما تأويل كلامه لا لدليل بل
لمجرد اتباع هوى والقول أنه أراد كذا ولم يَرِد كذا فما هو إلا تحريف،
فالذي
يثبت الجهة في حق الله تعالى يقع في أمرين
الأول: وصف الله تعالى بلفظ لم يرد في
كتاب ولا في سنة ولا ورد عن تابع، لا سيما وأن الذين يدَّعون أنهم سلفيون يقولون لا
نَصِفُ اللهَ إلا بما ورد عن الله ورسوله ثم تراهم أول الناس يخالفون
ذلك.
الثاني: إن هذه اللفظة تحمل معاني فاسدة لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى لما
تحويه من نقص،
قال أبو جعفر الطحاوي :
"ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر
فقد كفر". والكون في الجهات وصف ملازم للبشر وهو بعد هذا يدل على نقص. وليس فيه
دلالة على الشرف، فالذي يسكن في الطابق العاشر مثلا لا يلزم أن يكون أشرف من الذي
يسكن في الطابق الثاني. ولا توجد دلالة شرعية ولا عقلية على أن المكان العالي أشرف
من المكان الواطي، فإثبات جهة العلوّ إنما هو تحكم واتباع للهوى.
ولهذا ذكر
الإمام الجويني رحمه الله تعالى جملة عامة هي قاعدة في هذا الباب([10]):
"كل صفة
في المخلوقات دل ثبوتها على مخصص يؤثرها ويريدها ولا يُعْقَلُ ثبوتها دون ذلك فهي
مستحيلة على الإله، فإنها لو ثبتت له لدلت على افتقاره إلى مخصص دلالَتها في حق
الحادث المخلوق"اهـ،
وهذا كلام في غاية الدقة والعظمة، ومعناه أننا إذا عرفنا
ثبوت صفة ما في الموجودات المحسوسة، كالحركة والمحدودية مثلا، ونظرنا في نفس مفهوم
الحركة ثم دلتنا البراهين القطعية على أن الحركة لا بد أن تكون حادثة، ويستحيل أن
تكون قديمة، فإننا نعرف أن ما يتصف بالحركة من المحسوسات يجب أن يكون حادثا كذلك،
لاستحالة وجود الشيء من غير صفته، فتكون الصفة التي هي الحركة قد دلتنا على حدوث
المتحرك. فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الله تعالى، وقال لنا أحد المشبهة إن الله تعالى
يتحرك وينتقل من محل إلى آخر، فإننا نقول له إن الله إذا كان متحركا فيلزم أن يكون
حادثا، لأن الحركة التي أثبتناها في حق المحسوس هي التي قد دلتنا على حدوثه، فكذلك
إذا أثبتَّ أنت أيها المجسم الحركة لله تعالى، فيلزمك أن تثبت حدوث الله تعالى، لأن
سبب الحدوث إنما هو الحركة وهي عينها التي تثبتها في حقه تعالى عما تقول. فإذن إذا
دلتنا صفة على الحدوث فيستحيل أن نثبت نفس تلك الصفة لله تعالى لما يلزم من إثبات
الحدوث له تعالى، وهذا مستحيل في حقه جلَّ شأنه.
وحاصل مذهب أهل السنة أن الله
تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، من كل الوجوه واستقر الاتفاق على أنه كل
ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.
وقد قال الإمام أبو المعالي
الجويني([11]):
"من انتهض لطلب مُدَبِّرِهِ فإن اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره
فهو مُشَبِّهٌ، وإن اطمأنَّ إلى النفي المحض فهو مُعَطِّلٌ، وإن قطع بموجود واعترف
بالعجز عن دَرْكِ حقيقته فهو موَحِّدٌ."اهـ فانظر في هذا الكلام العظيم واتخذه
قاعدة لنفسك، فإنه بمنزلة التفسير لقوله تعالى"ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير".
زيادة بيان لعقيدة الإسلام :
نبدأ هنا بذكر بعض النصوص من القرآن
والسنة، ثم نثني بنقل قول بعض العلماء، ليطمئن قلب من يتَردد فإن الإنسان إذا رأى
قول أهل العلم اطمأنَّ، ولا يجوز أن يقول عامة الناس: "نحن رجال وهم رجال، فنجتهد
كما اجتهدوا"، لأنا نقول: هم اجتهدوا ليس لأنهم رجال! فإن النساء يجوز لهنَّ
الاجتهاد، بل فعلوا ذلك لأنهم علماء، بمعنى أن للاجتهاد شروط لا يستطيع أي أحد
تحصيلها، أو إذا استطاع فبعد جهد ومشقة عظيمين. وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل
الذكر إن كنا لا نعلم "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
\قال الله تعالى
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وهذه الآية من المحكمات التي ترد إليها
المتشابهات.
قال الإمام البيهقي([12]):
"لما أراد الله سبحانه أن ينفي
التشبيه على آكد ما يكون من النفي، جمع في قراءتنا بين حروف التشبيه واسم التشبيه
حتى يكون النفي مؤكدا على المبالغة".
وروى البيهقي بسنده عن أبي هريرة رضي الله
عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يعني يقول الله عز وجل: "كذبني ابن
آدم، ولم ينبغِ له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم، ولم ينبغ له أن يشتمني، فأما تكذيبه
إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول خلقه بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه
إياي فقوله (اتخذ الله ولدا) وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي
كفوا أحد"([13]).
وروى البيهقي بسنده عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال:
"إن المشركين
قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تبارك وتعالى: (قل هو الله أحد الله
الصمد). قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لأنه ليس شيء يولد
إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تبارك وتعالى لا يموت ولا يورث، ولم
يكن له كفوا أحد، لم يكن له شبه ولا عدل، ليس كمثله شيء([14]).
قال الإمام
الأكبر أبو حنيفة في كتابه الوصية
"ونُقِرُّ بأن الله تعالى على العرش استوى من
غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير
احتياج"([15])،
فنفى الإمام أبو حنيفة أن يكون الله تعالى مستقرا على العرش
وملامساً له، بل أمرَّ النص كما جاء فأثبت الاستواء ونزه الله تعالى عن أن يكون
استواؤه كاستواء غيره مطلقا.
روى ابن عبد البر عن أيوب بن صلاح المخزومي
قال:
كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبدالله (الرحمن على العرش
استوى)كيف استوى؟ قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول.
قال يحيى بن
إبراهيم بن مزين:
إنما كره مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة
وتشبيها، والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل، ووصف به نفسه بوجه ويدين
وبسط واستواء وكلام فقال(فأينما تولوا فثم وجه الله) وقال(بل يداه مبسوطتان )
وقال(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه)وقال (الرحمن على
العرش استوى، فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه، ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل
كيف؟ فإن في ذلك الهلاك، لأن الله كلف عبيده الإيمانَ بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في
التأويل الذي لا يعلمه غيره([16]).
فانظر وتمعن في هذا الكلام، ترى أن القوم
كانوا يتجنبون التشبيه كما يتجنبون الموت والهلاك، والمنع من الخوض في هذه الأمور
إنما هو دفع للتشبيه، في أي معنى كان. وبما مرَّ يكون قد ثبت النهي عن التشبيه في
الكتاب والسنة وأقوال العلماء من السلف ثبوتا قطعيا، خلافا لمن ادعى غلطا إنه لم
يرد النهي عن التشبيه في الكتاب والسنة.
التنبيه على أقوال فاسدة لبعض الفرق
المبتدعة.
قال الشهرستاني([17]):
"اعلم أن جماعة كبيرة من السلف كانوا يثبتون
لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام
والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات
الفعل، بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين والرجلين
ولا يؤولون ذلك، إلا إنهم يقولون بتسميتها صفات خبرية.
ولما كانت المعتزلة ينفون
الصفات، - ( مداخلة من الباحث ومن أعطي لفظة صفات لله هذه؟ ومن أين أتيتم بها أصلا؟ وما سندكم فيها ؟ ) - والسلف يثبتون، سمي السلف صفاتية والمعتزلة معطلة -( أثبت الاشاعرة وأهل الاثر ما سموه بالصفات لله ثم اتهمونا بنفيها..!) - فبالغ بعض السلف في
إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال
عليها، وما ورد الخبر فيه فافترقوا فيه فرقتين:
منهم من أولها على وجه يحتمل
اللفظ ذلك المعنى، ومنهم من توقف في التأويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله
تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك
إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه مثل قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى)
ومثل قوله(خلقتُ بيَدَيَّ)، ومثل قوله(وجاء ربك) إلى غير ذلك، ولسنا مكلفين بمعرفة
تفسير هذه الآيات وتأويلها بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له وليس كمثله
شيء، وذلك قد أثبتناه يقينا.
ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قال السلف
فقالوا لا بدَّ من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما
اعتقده السلف. ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود لا في كلهم بل في القرائين
منهم ثم الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير. أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم
بالإله تعالى وتقدس. وأما التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق، ولما ظهرت المعتزلة
والمتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير، ووقعت في الاعتزال، وتخطت
جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر فوقعت في التشبيه.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدَّفوا للتشبيه فمنهم مالك بن أنس رضي الله عنه إذ قال الاستواء معلوم والكيفية مجهولة([18]) والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومثل أحمد بن حنبل وسفيان الثوري وداود بن علي الأصفهاني ومن تبعهم."اهـ
وقال ما
خلاصته([19]):
"إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه …. قالوا إن معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية وإما جسمانية ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن ….. وأجاز الحشوية على ربهم الملامسة والمصافحة([20])، وحكى عن داود الجواربي أنه قال: أعفوني من اللحية والفرج واسألوني عما وراء ذلك. وقال إن معبوده جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورِجلٍ ورأسٍ ولسان وعينين ومع ذلك جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء، وكذلك سائر الصفات وهو لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء".
ثم قال([21]):
"وأما ما ورد في التنزيل من الاستواء والوجه واليدين
والجنب والمجيء والإتيان والفوقية وغير ذلك فأجْرَوها على ظاهرها، أعني ما يُفهم
عند الإطلاق على الأجسام([22])، وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة في قوله عليها
السلام "خلق آدم على صورة الرحمن " وقوله "حتى يضع الجبار قدمه في النار" وقوله قلب
المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن"، وقوله"خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا"، وقوله
"وضع يده أو كفه على كتفي" وقوله " حتى وجدت برد أنامله في صدري"، إلى غير ذلك
أجروها على ما يتعارف في صفات الأجسام([23])، وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها
ونسبوها إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأكثرها مقتبس من اليهود([24])، فإن التشبيه
فيهم طباع، حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت
عيناه، وإن العرش ليئط من تحته كأطيط الرَّحْلِ الحديد، وأنه يفضل من كل جانب أربع
أصابع."
ثم قال([25]): "ومن المشبهة من مال إلى مذهب الحلولية، وقال يجوز أن
يظهر الباري تعالى بصورة شخص."اهـ
وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي عن بعض المشبهة([26]):
"ورأيت من أصحابنا
من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبدالله بن حامد، وصاحبه
القاضي أبو يعلى ، وابن الزاغوني فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا
إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على
صورته فأثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات وعينين وفما ولهوات وأضراسا وأضواءا
لوجهه هي السُّبُحات ويدين وأصابع وكفا وخنصرا وإبهاما وصدرا وفخذا وساقين ورجلين،
وقالوا:ما سمعنا بذكر الرأس، وقالوا يجوز أن يَمس ويُمَسَّ، ويُدني العبدَ من ذاته،
وقال بعضهم :ويتنفس. ثم يُرضون العوام بقولهم: لا كما يُعْقَلُ([27]).
وقد أخذوا
بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من
النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني
الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث. ولم يقنعوا بأن
يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات، قالوا: لا نحملها
على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ومجيء وإتيان على معنى برَّ ولطف وساق على
شدة بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين
والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن([28])، ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من
إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من
العوام.
فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل، وإمامكم
الأكبر أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول وهو تحت السياط: كيف أقول ما لم
يقل([29])، فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه، ثم قلتم في الأحاديث(تحمل على
ظاهرها)فظاهر القدم الجارحة، فإنه لما قيل في عيسى عليه الصلاة والسلام (روح الله)
اعتقدت النصارى لعنهم الله تعالى أن الله سبحانه وتعالى صفة هي روح ولجت في
مريم.
ومن قال استوى بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه وتعالى مجرى الحسيات، وينبغي
أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل فإنا عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقِدَمِ،
فَلَو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكتُ، لما أنكرَ أحد عليكم، إنما حَمْلُكُم إياها
على الظاهر قبيح.
فلا تُدخِلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه فلقد
كسيتم هذا المذهب شيئا قبيحا، حتى صار لا يقال عن حنبلي إلا مجسم، ثم زينتم مذهبكم
أيضا بالعصبية ليزيد بن معاوية وقد علمتم أن صاحب هذا المذهب أجاز لعنته. وقد كان
أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم، لقد شان المذهب شيئا قبيحا لا يغسل إلى يوم
القيامة."اهـ
خاتـــمــة
قال الإمام ابن الجوزي في كتاب صيد
الخاطر([30]):
فصلٌ. حدثوا الناس بما يطيقونمن المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله قلوبهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده. مثاله أن قوما قد رسخ في قلوبهم التشبيه وأن ذات الخالق سبحانه مُلاصِقَةٌ للعرش، وهي بقدر العرش، ويفضل من العرش قدر أربع أصابع. وسمعوا مثل هذا من أشياخهم، وثبت عندهم أنه إذا نزل وانتقل إلى السماء الدنيا خلت منه ست سموات فإذا دُعِيَ أحدهم إلى التنزيه وقيل له ليس كما خطر لك، إنما ينبغي أن تُمِرَّ الأحاديث كما جاءت من غير مساكنة ما توهمته، صَعُبَ هذا عليه لوجهين
أحدهما: لغلبة الحس عليه، والحس على العوام أغلبُ.
والثاني: لما قد سمعه من ذلك من الأشياخ الذين كانوا أجهل منه.
فالمخاطِبُ لهذا مخاطر بنفسه، ولقد بلغني عن بعض من كان يتدين ممن رسخ في قلبه التشبيه أنه سمع من بعض العلماء شيئا من التنزيه، فقال: والله لو قدرت عليه لقتلته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق