خلق القرآن…من الألف للياء..نظرة موضوعية

كان السبب الرئيسي لفتح
هذا الملف، هذا الموضوع الشائك، والعميق والخطير في آن معاً.
هو: كثرة ما أمطرني به
قرائي وما وصلني عبر الإيميل، وما يثيره كثيرون عندما تذكر فقط اسم المعتزلة أو أهل
العدل والتوحيد.
أنتم السبب في إشعال
الفتنة؟ لماذا تقولون إن القرآن مخلوق؟ وكيف يكون مخلوقا؟ و…..الخ من أخوات هذه
الاسئلة وغيرها.
كتب الشيخ أمين نايف ذياب رحمه الله عن هذه القضية قائلا: لا
يزال البعض يري أنَّ للمعتزلة دوراً في أحداث المحنة ، مع أنَّ الثابت الآن، أنْ لا
علاقة للمعتزلة من قريب، أو من بعيد، في القيام بأحـداث المحنة، أو الإشارة بها،
سوى مشاركة القاضي [ أحمد بن أبي دُؤاد ] في مسائلةِ الممتَحَنين، والمشهودُ له،
بأنه عمل على منح الممتَحَنين العذر، لكنَّ أعداءَ الفكر الإسلامي العدلي، من
الأشاعرة ومن أهل الحديث الحشوية، وهم العاجزون عن الوقوف في وجه جور السلاطين،
صبُّوا غضبهم وأكاذيبهم على المعتزلة….
ثم يقول الشيخ رحمه الله
إنَّ بلادة الحس الجماعي السائدة عند مجمل الأمة، وسطحية التفكير، وذاتيته، كلها
أمور : تحتاج إلى عمل تغييري عبر التمعن بحوادث التاريخ لإعادة بناء الوعي الحقيقي
الصادق المنتج.
تُصِرُّ الذاكرة
الجماعية للأمة سواء أكانت ذاكرة أساتذة أكادميين، أو رجال حركات إسلامية أو ما
يُسَمَّى بحركات المثقفين العرب، أو المثقفين الإسلاميين، أو وعاظ المساجد، على
الدعوى دون تحقيق : بأنَّ المعتزلة مع كونهم، دعاة عدل، لا جبر، إلاَّ أنهم خالفوا
مفاهيمهم، حين صاروا أصحاب الأمر، فالمحنة فعلهم، إن الحقيقة
الواضحة تظهر عكس ذلك تماماً، فلا هم صاروا أصحاب أمر، والمحنة صراع بين ملك جبري
عضوض [ وليس حُكْماً عَدْلياً معتزلياً ] وأهل الحديث، الذين هم قوة إسناد الملك
الجبري العضوض، ولهذا لم تدر مناقشات المحنة حول مفهوم العدل، [ أي تمكين
الإنسان من خلق أفعاله ] وإنما دارت حول خلق القرآن، وهي ليست قضية خاصة بالمعتزلة،
بل يقول بها أهل الجبر أيضاً ، وخاصة الجهمية، وخلطُ الجهميةِ الجبرية بالمعتزلة
العدلية ، هو نوع من التضليل ! .
لقد رسم
المأمون لاحتواء الدعوة الشيعية [ إسماعلية تعمل سراً ] إذ في زمنه نُشرتْ رسائلُ
إخوان الصفا ، الأمر الذي جعل المثقفين يقعون تحت تأثيرها، وهكذا فقدت العباسية
المثقفين بسبب ميلهم للدعوة الإسماعيلية، فشكلت خطراً ماثلا على الدولة العباسية،
فعمد المأمون إلى تبني الشيعة ظاهريا،ً ولم يستطع أهل الحديث أدراك ما رمى إليه
المأمون، من هذا التبني فأصابهم الهلع، وانحازوا إلى العمل ضد المأمون بكل الطرق :
من وضع الأحاديث ضد المأمون كما فعل نُعيم بن حماد ، واشترك أبو مسهر [ عبد الأعلى
بن مسهر الدمشقي الغساني ] المحدث المشهور محدث الشام بثورة الأموي [ أبي العميطر
علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ] ورغم هزيمة أبي العميطر،
إلاّ أنَّ أبا مسهر، بقي في حالة عداء ظاهر للمأمون، وأخذ أحمد بن نصر الخزاعي
يتحفز لإعلان الثورة، ضد الدولة العباسية، وإذا كانت الدعوة الإسماعيلية احتوت
المثقفين، فإن دعوة أهل الحديث تحتوي العامة، وهي العامة التي شكلت هاجسا للمأمون،
من هنا قام المأمون ـ وهو في حالة غزو وحرب مع الروم ـ بمراسلة نائبه وقائد شرطته
اسحق بن إبراهيم المصعبي، في رسالتين مشهورتين، وثقهما ابن جرير الطبري، في حوادث
218 هـ ، ذكر فيها معايب الممتَحَنين واحداً واحدا، لقد بقي المصعبي ـ وهو محسوب
على أهل الحديث ـ في مركزه أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، وقد
جَزِعَ المتوكل لموته .
إنَّ المحنة لم تكن بتأثير المعتزلة ، وهذا ما يكشفه أقدم نص كُتِبَ
حول المحنة ، من قبل حنبل بن اسحق بن حنبل ( ابن عم أحمد وتلميذه ) ولهذا لم
يرد اسم أهم الجدليين المعتـزلة مثل : ثُمـأمـة ، والعلاف ، والنَّظام ، والجاحظ ،
بل وردت أسماء مجهولين، ولم يرد من أسماء المعتزلة غير أحمد بن
أبي دؤاد ، بحكم كونه قاضي الدولة، ومن المعلوم أن
اسـتلام ابن دؤاد القضاء كان بناء على رأي قاضي المأمون يحيى بن أكثم ، الذي لم يكن
معتزليا ، بل كان حنبليا ، وردت ترجمته في طبقات الحنابلة ترجمة رقم ( 539 ) ، ولم يكن المراد من المحنة الإنحياز لأراء
المعتزلة بل المراد تحجيم دور المحدثين أمام العامة، وباحتواء خطر الشيعة الإمامية،
وخطر الهوى الأموي ودعاته أهل الحديث، وبإلقاء القبض على أحمد بن نصر الخزاعي وقتله
بيد الواثق، زالت كل الأخطار، ولهذا عاد العباسيون لتبني رأي أهل الحديث، في قضية
خلق القرآن، على يد المتوكل الذي مدحه أهل الحديث، رغم شهرته بارتكاب المحرمات،
فالمسألة المهمة لا تزال عند المحدثين هي قضايا حشو المعتقدات أمسِ واليوم
وغداً .
إنَّ الدليلَ على أنَّ المحنة، لم تكن من صنيع المعتزلة ـ رغم
قول المعتزلة بخلق القرآن إجماعا ـ فأساس قول المعتزلة بخلق القرآن، بُني على أنها
مسألة من مسائل العدل، بينما هي عند الجبرية من مسائل التوحيد، والقارئ لنقاشات
المحنة، يراها تدور حول التوحيد، أي حول انفراد الله بالخالقية، وحول علم الله
الأزلي، وليس حول العدل، وهذا يكشف أنَ أيام المأمون، والمعتصم والواثق لم تكن
زمناً إعتزالياً وإنما هو زمن عباسي، يرفض التشبيه، ويقبل الجبر ويمارس الجور أما
في أيام المتوكل فهو يقبل التشبيه، والجبر، ويمارس الجور، ويزيد على ذلك إرتكاب
الأعمال الحرام [ يقصد من إرتكاب الأعمال الحرام أعمال المتوكل نفسه في شربه المسكر
] ويقهر التفكير، ويمنع الجدل، ويهبط مستوى العلم، ويبدأ عصر إستهانة العسكر التركي
بالخلفاء وزيادة في التقرب للنواصب، يعمد إلى هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب
عليه السلام .
لقد طالت
المحنة الكثير من أهل الحديث، وبعض الفقهاء، وعم المأمون أبراهيم بن محمد المهدي،
وكان حاذقاً بصنعة الغناء، ومعلوم أنه بويع بالخلافة من 202-204 هـ وقتل بسبب
المحنة أحمد بن نصر الخزاعي ومات محمد بن نوح أثناء حمله وأحمد إلى المأمون، ومات
في السجن كل من نعيم بن حماد وأبي مسهر الدمشقي وقد أجاب في المحنة كل الممتَحَنين
أما أحمد فلم
يُصَرِّحْ أثناءَ الإمتحان بأن القرآن غير مخلوق، وإنما كان يعمد إلى المراوغة ،
ولم يكن الجلد [ الضرب ] بالصورة الدرامية ، التي ينشرها جهلة اليوم ، فقد كان
مجموع ما جُلد أحمد ، على ثلاث مرات 68 جلدة في أغصان من الشجر فيها
أوراقها [ في مفهوم اليوم لم تُحسلك ( الفعل
الرباعي حَسْلَكَ ليس عربيا والمراد أن الأغصان لم تهيأ لشدة الضرب ] وفي أخبار
أوردها، حنبل بن اسحق بن حنبل ذكر أحمد أربعا وعشرين حديثا، من أحاديث الرسول صلى
الله عليه وسلم، تحث على طاعة ولي الأمر وإن جار وظلم، فأحمد لا يهتم بزوال
المظالم، وإنما همه أنْ يكون متقدما بين العامة، عبر نشر الأحاديث، والأساطير،
والزعم بأنَّ الرسول هو قائلها .
كان للأعلام الحنبلي دور في تضخيم موقف أحمد، وإعطائه صورة
درامية، والذي يقرأ أخبار المحنة يظن أنَّ الممتَحَنَ الوحيد هو أحمد وللعباسية دور
في هذا التضخيم لتستفيد من موقف الطاعة للحكام والتقوي به على الشيعة المتربصة
آنذاك، بلغ من قوة الحنابلة، منعهم دفن العالم الطبري المشهور في مقبرة بغداد،
وتهيا الأمر لانقلاب الأشعري على المعتزلة، بتسويغات غير مقنعة
.
انتهي هنا تعليق الشيخ
أمين نايف ذياب رحمه الله وهو طويل أوردت منه القليل.
أدعو القاري أن يستطيع
معي صبراً، وأن يقرأ بتأن وترو، باحثا عن الحق، ولا شيء سوي الحق، حيث أضع بين يديه
كتاب المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام
للاستاذ الباحث الفذ فهمي جدعان.
والحق يقال إن في الساحة
الإسلامية الآن ندرأن توجد تلك الكتابات التي تتناول الشأن الفكري الإسلامي، بصورة
موضوعية وحيادية وهادئة بعيداً عن لغة بعض الأقدمين في التفسيق والتبديع أو السخرية
من الاسم أو الجسم أو الطول أو العرض، وهو ما يسير عليه البعض حتي الآن للأسف
الشديد.
فإلي الكتاب….وإلي قراءته بتمعن وتفكر….ثم لنري
فإلي الكتاب….وإلي قراءته بتمعن وتفكر….ثم لنري
تجدون الكتاب علي هذا
الرابط بصورة مباشرة
أما هذا الكتاب الثاني
الموجود علي المدونة هنا في الأسفل -بصيغة الPDF….فهو تعليق من الشيخ أمين نايف
ذياب رحمه الله علي كتاب الدكتور فهمي جدعان، لم أراد
المزيد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق