الخميس، 7 يونيو 2012

"هذا بيانٌ للناس................."بقلم: الشيخ أمين نايف ذياب



هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين أيها المستضعفون في الأرض انتبهوا! أيها  النائمون أفيقوا !


  يحدثنا التاريخُ أنّ أمماً كثيرةً قد اندثرتْ وزالتْ من الوجود ، وأنَّ أمماً كثيرةً كانتْ في حالة علوٍ واستكبار في الأرض تلاشت قوتُـها ، وبقيت في حالة الضعف ، وأنّ أمماً خيِّرةً غفلتْ عن سبب الخير فيها ، فقعدتْ في مؤخرة الأمم ، تندبُ الماضي ، وتبكي الحاضر  

   والأمةُ الإسلامية مثلُها مثلَ الأمم الأُخرى ، فيها قابلية الاندثار ، وقابلية الضعف وتبلد الحس العام فيها ، فلا يحركها الهوان ، وهي الآن في سائر أصقاعها في أشد حالات الضعف وأسوأ حالات الهوان ، ليس لأنـها تركت دينها فلا زال الناس في جملتهم مسلمين يؤدون الصلاة ويحافظون على الجمع والجماعات ويؤتون الزكاة ـ سواء أكانت صدقة واجبة أو صدقة مكفرة أو صدقة تطوع ـ ويقومون بعمل الخير أو بالإنفاق على الأهل بالمعروف ، أو القيام بصلة الأرحام وذوي القرابة ، أو التـزاور مع بعضهم البعض ، يصومون رمضان ويتطوعون في الصيام نافلة ، في غير رمضان ، ويهرعون رجالا ونساء وأطفالا لقيام صلاة التراويح ، وإحياء ليلة القدر يعكفون على تلاوة القرآن الكريم دون تدبر ، ويسارعون إلى أداء الحج والعمرة ، ومع كل ذلك فهي أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام ! 

   إن الأمة الإسلامية مفتقدة لعزتـها ،  وأضاعت وحدتها ، وصارت في حالة تبعية لعدوها ، في الاقتصاد والثقافة والتعليم وحياة المجتمع وقوانين الدولة ، حتى صار عدوها الغرب هو المهيمن والمسيطر عليها ، وتحول عدائها من غرب يخطط ويعمل ضدها ، إلى حفنة من يهود مستندة إلى غرب حاقد ، فتركت الغرب يسرح ويمرح في كل شؤون حياتها ، وركزت انتباهها إلى تلك الجماعة من الأقزام ، في الثقافة والحضارة والعلوم والقيم ، وتحول الأقزام اليهود في أذهان الناس إلى عمالقة ، هم المؤثرون في رسم سياسة العالم           

   هكذا استراح الغرب وتنفس الصعداء ، وتحول إلى وسيط بين الدول العربية وحفنة اليهود  فتم له ما أراد بمباشرة الصلح بين عرب ويهود ، ولا زال حتى هذه اللحظة يباشر هذه المهمة 

   إنّ حجر الزاوية في كفاح اليهود ، ومنع إقامة دولة لهم في فلسطين ، أو في أي جزء منها ، هو في كفاح الغرب كفاحا لا هوادة فيه ، وعلى الخصوص العدوان الرئيسان : الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ( بريطانيا ) ، فهما أساس الداء ، ورأس البلاء ، ولا يعني ذلك وجود فرق بين غرب وغرب ، فالغرب كله شرقيا وغربيا هو العدو الأول والرئيسي لنا ـ معشر المسلمين ولكن المتصدين للعمل ضد هذه الأمة الآن ، هما : الولايات المتحدة ، وشريكتها وحليفتها المملكة المتحدة { بريطانيا } 

         يـا أيها البسطاء من هذه الأمة !

   لا تركنوا إلى حكوماتكم ! فهي قد وقعت أسيرة لقيود الغرب : السياسية ، والاقتصادية والعسكرية ، والثقافية وهي عن الفعل في محل العجز ، ولا تظنوا في هذه الشراذم السياسية مهما كانت أسماؤها ومسمياتـها خيرا ، فهي أداة الغرب لاحتلال عقولكم وتسخيركم للعمل ضد أنفسكم ، إنـها داء ابتليت به الأمة ، منذ بداية القرن التاسع عشر ، إنها أحزاب أو فئات أو منتديات أو زمر وظيفتها نشر ثقافة التغريب ، تعلن ليلا نـهارا الخجل من ماضي هذه الأمة تطلب حداثة التغريب فتضيع من هذه الأمة : الحداثة ، والذات ، والهوية ، وهي في صورتـها هذه  جعلت التضليل يتسرب إلى عقولكم ، واللحاق بالسراب هي أعمالكم ، وحراثة الأرض اليباب هي وظيفتكم ، والعمل ضد الذات هو واقعكم ، والعبث هو سجيتكم         

       أيها الساذجون الطيبون العابدون !

   لا تحلموا بأن في الحركات الإسلامية ، مهما كانت عناوينها ، ومهما تنوعت أفعالها ، ومهما ادعت من إخلاص ، بأنـها طريقة إنقاذكم من مصير أسود تسيرون إليه بأقدامكم ، فهم مجرد دعاة جهالة جهلاء ، يمارسون فعل التجهيل ، لا يشخصون أمراض الأمة ، بل يعلنون كل آن عافيتها ، لقد وعظوكم بالصلاة ، ولم يدعوكم إلى إقامة الصلاة ، ونادوكم إلى إيتاء الزكاة وجعلوها في خدمة ترقيع فساد استشرى ، وطلبوا منكم الصيام ، ولم يصوموا عن معصية الله  فهم يراءون السلاطين ، ويمنعون الماعون ، فهل هناك معصية له تعالى أكبر من هاتين المعصيتين ؟ ! يتاجرون بالإسلام يطلبون جاها ومالا ، فحصلوا عليهما ، وبقي سواد الأمة وكوادر الحركات الإسلامية  يعاني الذل ، والفقر ، والجهل ، والمرض ، يمارسون الانتظار على الطوار     

      يا أيها المنفعلون بحب الإسلام !

   قد يؤثر على عقولكم ونفسيتكم ، قيام الأغنياء المتدينين ببناء المساجد الفخمة ، في الزمن الضائع من حياتـهم ، بعد أن تكاثرت أموالهم ، من خلال تجارة كان للتمويل من قبل البنوك دور كبير فيها ، ويقومون أحيانا بتقديم التبرعات السخية ، لرفع المعاناة عن شعب ، أو فئة ، من المسلمين ، يقومون بكل ذلك للحصول على الجنة ، أو الشهرة ، فهم فاقدون للاهتمام بالأمة كأمة ، في حالة مكانتها ، أو عيشها ، ينصب اهتمامهم على الذات الفردية ، في الدنيا بحيازة الأموال ، وفي الآخرة بإنفاق بعض هذه الأموال في مجالات فردية ، وفائدة مثل هذه الأموال هو ترقيع الفساد ، ظنا منهم أن في بعض الآيات والأحاديث ما يسند رؤيتهم 

       أيها الطيبون الساكنون سكون الجماد ! الساكتون سكوت الأموات !

  قال الله تعالى : (( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون * ))
  هاتان الآيتان الكريمتان ، وإن كانتا من سورة القصص ، ونـزلتا في بني إسرائيل ، إلا أنـهما مفتوحتان إلى يوم الدين ، ويشكلان فكرة حركية انتقالية ، في كيفية انتقال المستضعفين إلى العزة والتمكين في الأرض ، وخطة للعمل لزوال قيادة المستكبرين عن الساحة ، وهذه الأهداف لا يحققها إلا وعي المستضعفين ، وقيامهم بحركة جماعية ـ وهم الفئة الأشد قوة ، والأكثر قدرة ـ حين تتحرر إرادتـهم من التبعية ، وسيادتهم من الشلل ، فهم السيل العرم القادر على تغيير مسيرة التاريخ ، من كونه بيد الغرب وتمركزه فيه ، إلى العالم الإسلامي ، وهذا لن يكون بالأماني والانتظار ، ولن يحدث هذا التغيير بفعل فئة خالية من الوعي ، ولن يكون من خلال تجهيل الأمة بالدعوة لعمومات إسلامية ، أو من نشر خطاب وعظ يذكر بالآخرة ، أو من إثارة مفهوم الانتظار ركونا إلى الوعد والقدر المقدور ، إنه يكون بوضوح العمل السياسي الجماعي العام المؤسس على الوعي الفكري ، والمحرك للمشاعر الجماعية التي يقودها الوعي 

  إن الوعي الفكري وعي مؤسس ، إذ هو مبني على حقيقتين عقليتين هما : التوحيد ، والعدل وبـهما معا ، يسير الإنسان في درب الرقي

  التوحيد هو تفسير الوجود ، والعدل هو نظرية ممارسة الفعل الجماعي ، والسير نحو الهدف المنشود ، أي إقامة دولة الأمة المرتكزة إلى قوة الفكرة ، أي الإيمان الخالص بالتوحيد والعدل وبدونـهما معا يتفتت نظام الحياة ، ويتجزأ الوعي ، وتتركز الفردية والسطحية

فإلى وعي التوحيد والعدل انتم مدعوون أيها الطيبون !  

  قال الله تعالى : (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونـهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور * )) 

    يا سواد الأمة ويا جماهيرها !

  إن الآيات السابقة ـ 38 ـ 41 من سورة الحج ، لم تأت لتقديم وعد ، وإنما قدمت مشروعا حركيا متكاملا ، الفاعل فيه فئتان من الناس ضمن سنن النفس : الفئة الأولى فئة المؤمنين التي تقف في وجه الفئة الثانية : وهي فئة الخائنين والظالمين والكافرين ، يجمعها عملٌ واحدٌ يشتركون فيه هو هدم أماكن وأفكار تواصل أهل الأرض مع أمر ونـهي السماء ، أي اتصال الحياة الدنيا مع مفهوم الحياة الآخرة ، لضبط إيقاع الحياة الدنيا في سلم الرقي ، ومراقي الارتفاع ، والعمل لزوال الظلم ، تلك هي حقيقة المعركة كما ترسمها الآيات ، إنـها معركة بين الحق والباطل في الأفكار ، وبين الصواب والخطأ في أمور الاجتهاد ، والخير والشر في النتائج ، والحسن والسوء في الأعمال 

  لابد من دخول هذه المعركة بسلاح الإيمان ، والوعي ، والإخلاص الخالص ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اعتمادا على الإنسان ، إذ هو الخالق لأفعاله ، وتوكلا على الله بظهور ألطافه وتوفيقه ، وتأييده ، يدخلون المعركة وهم يتلون ويفهمون قوله تعالى (( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنّا معكم متربصون )) 

  ما سبق هي إشارات وعلامات ، توضح وتحدد مهمة الإنسان المؤمن الواعي في هذه الحياة  فهو مناضل عنيد ، يواصل النضال ضد كل الاتجاهات والتيارات التي تخالف إيمانه ووعيه في سبيل مهمة رسالية ، هي انتقال الحياة الإنسانية من الاعوجاج إلى الاستقامة ، ومن الظلم والجور إلى العدل ، ومن الجهل إلى المعرفة والعلم ، ومن فعل المنكر إلى فعل المعروف ، ومن الصورة الانتهازية الفردية الذاتية إلى الصورة الجماعية المعطاء ، لا يثنيه ثان عن نشر الأفكار الصحيحة في سبيل عودة الأمة الإسلامية إلى رشدها ، ومن ثمة تتسلم الأمة الإسلامية قوامتها على العالم وهي قوامة الخير ، وفي مثل هذا الرشد وهذه القوامة يزول غي وطغيان حضارة الغرب ، الفاقدة لكل القيم الرفيعة ، وهذا يؤدي حتما إلى كسر شوكة إمبراطورية الشر الولايات المتحدة وشركائها وأعوانـها ، ومثل هذه الدعوة لا بد أن يتذكر القائمون عليها قوله تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ))

  إن الإيمان والوعي أمران متلازمان ، يبدأن من معرفة الله عقلا ، إلى معرفة ما يحبه ويرضاه ، إلى فعل ما يحبه ويرضاه ، وفي كل ذلك فإن مراده تعالى ما فيه الصلاح لنا معشر البشر ، إذ المنافع منفية عنه تعالى ، وهو منـزه عن أن تلحقه المضار    

    أيتها الأمة الكريمة ! يا خير أمة أخرجت للناس ! يا أمة اللسان العربي المبين !                      

  يمعن خطاب الوعظ السائد عن عمد وإصرار على نشر الجهالات ، لبقائكم تحت سيطرة أصحاب الخطاب ، فقاموا بحملة ظالمة ضد العقل ، مع أن العقل حجة قائمة بذاته ، احتاج البلاغ ( القرآن ) والبيان ( السنة ) لشهادة العقل لهما ، ولم يحتج العقل لهما ، فالنص بقسميه أخذ سنده من العقل 

    بالعقل عرف المكلف التوحيد والعدل ، ومن القرآن عرف المكلف ما يحبه الله ويرضاه من خلال فهم النص القرآني ، بعد شهادة العقل له ، وعرف العقل مناط النص ، ومن بيان الرسول عرف المكلف كيفية عمل ما يحبه الله وبرضاه ، بعد الاستناد إلى العقل شهادة وفهما للمعنى وإدراك المناط ، فأين هو التعارض المزعوم بين العقل والنص ؟

  العقل والقرآن والسنة هي حجج الله على المكلفين ، العقل هو الأساس ، والكتاب والسنة حجتان بسبب شهادة العقل ، وهي حجج لا تتناقض ولا تتعارض بل تتناسق وتتكامل

فالحذر الحذر ممن يريد منكم إلغاء عقولكم

الموقف من القرآن

      1. القرآن الكريم كله حجة ، وهو كلام الله بلسان عربي مبين ، أنزله وحيا بواسطة جبريل على نبي الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لهداية البشرية ، وهو معجز  والمسلمون جميعا مقرون بإعجازه ، ومختلفون على سبب الإعجاز ، والراجح أن النظم هو الإعجاز ، وكلهم يقول : أن هذا القرآن الذي بين أيدينا ـ المكتوب في السطور ، المسجل في الاسطوانات ، وأشرطة التسجيل المختلفة : من كاسيت ، أو قرص صلب أو مرن  والمحفوظ في الصدور ، ألمتلو بالألسنة ، وبأي صورة هو موجود ، فإنه في هذه الصور المتعددة مخلوق 0

      2.  إن اختلاف المسلمين بشأن خلق القرآن ، يدور حول زعم الأشاعرة والماتريدية وجود كلام  نفسي له تعالى ، وهذه المسألة خارج موضوع الخلاف ، إذ الخلاف فيها حول وجود كلام نفسي له تعالى ، أو عدم وجود ذلك ، والفرقتان وأتباعهما ومن مثل هاتين الفرقتين اعتمد التضليل عمدا بمسألة القرآن ، وأما السلفية التي استقر الرأي عندها بعد ابن تيمية بأن كلام الله قديم في النوع ، حادث في الأفراد ، فإنه بـهذه الصورة خارج عن مسألة النـزاع إذ المسألة حصرا هي حول القرآن الموجود بين يدي الناس

      3. يحوي القرآن من حيث هو خطاب بلسان عربي مبين ، خبرا ، وأمرا ، ونـهيا ، ووعدا ووعيدا ، ولفت نظر لقصص السابقين ، وهي من نوع الخبر ، وضرب الأمثال ، وهي أيضا من نوع الخبر ، وكل نصوصه حجة ودلالة ، ولكن على وجوه هي :

ما لولا الخطاب لما أمكن معرفة موضوعها بالعقل ، وهي التكاليف الشرعية التي فيها زيادة كلفة ، فهي تعرف بدلالة الخطاب ، ودلالة الخطاب يفهمها ويدرك موضوعها المطلوب العقل ، مثل الصلاة ، والصوم ، وأحكام الصدقة ، وأعمال الحج وخطاب الوضع في بعض صوره 

ما لولا الخطاب ، لأمكن أن يعلم بالعقل ، وهو على نوعين :
      1.   الأول : ما لولا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل ، ولا يعلم إلا به ، وهو التوحيد والعدل فهما لا يعلمان من مجرد الخطاب ، فلا يعلمان إلا بالاستدلال العقلي ، وهما أساس التكليف وأصلا الدين ، بدون استدلال العقل عليهما ، يتحول الإسلام إلى مجرد اعتقاد تسليمي لا يفترق عن معتقدات اليهود والنصارى ، وقد حذرنا الإسلام من ذلك 0
      2.   الثاني : ما لولا الخطاب ، لأمكن أن يعلم بالعقل ، أو الخطاب : فيجوز الاستدلال بـهما معا ، أو بواحد منهما ، مثل : استحالة رؤية الله في الدنيا أو في الحياة الآخرة والإيمان بأنه لا بد من حساب الناس على ما يفعلونه من مظالم ، والأفضل الاستدلال العقلي على مثل هذه المواضيع ، ويكون النص داعما 
      3.   القرآن الكريم كله دلالة ، لكن المتشابه منه يرد إلى المحكم ، والمحكم يفهم برده إلى الأساسين التوحيد والعدل ، والتوحيد أن لا تتوهم الله ، والعدل أن لا تتهمه 
      4.   نزل القرآن الكريم بلسان العرب ، فَيُفهم بلسان العرب ، والكلمات والجمل والتراكيب لها مواضيعها ، والعقل هو الذي يعرف مواضيعها ، فالحذر كل الحذر من إلغاء اللغة والعقل ، فاللسان يعني ، والعقل يشير 
        
الموقف من السنة

      1.  السنة بيان لمطالب القرآن العملية ، والبيان تابع للمبين ، وليس قاضيا على القرآن فالسنة في محل التبعية للقرآن ، تبين المجمل منه ، وتقيد العام ، وتخصص المطلق ، وتسحب الحكم على ما هو من نوع المحكوم عليه ، تلك هي وظيفة السنة لا غير ، وهي وحي أوحاها الله لنبيه معنى ، وقام بفعلها على مرأى جمع كثير من الصحابة ، أو هي أقوال سمعها البعض من الصحابة ، أو هي إقرار لأعمال عملت أمامه ، شهد الإقرار بعض الصحابة ، طريق السنة الأول يفيد القطع ، والطريقان الآخران يفيدان الظن ، والحذر من القائل : إن في السنة أخبارا 

      2.  إن الدعاوى العريضة التي زعمها المحدثون ، من أنهم الذابون عن سنة رسول الله الكذب وأنهم القائمون بنصرة هذا الدين ، وأنهم أصحاب الجهد العظيم في جمع سنة الرسول : قولا وفعلا ، وتقريرا ، وسجايا خلقية ، بأسانيدها ليصلوا إلى أنهم القائمين على دين الله الحافظين له من زيغ الزائغين ، وتحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وضلال المشبهين والمعطلين والمكيفين والمؤولين الخ مثل هذه المقولات ، إنما هي ترويج بضاعة مزورة على النبي الخاتم الهادي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه ، وهي أقوال وظيفتها الدعاية لآراء اليهود والنصارى ، تجعل نبي الهدى ناقلا لخرافات الأمم قبلنا ، وللقبول بظلم الظالمين والقعود على الطوار منتظرين ، يسومنا العذاب العدو الأبعد ، ويشبع السياط من ظهورنا المتسلط على الأمة بالجبروت 

      3.  مجموع الأمة أو ما يسمى بالجمهور أو السواد أو العامة ، يقبل دينه من فيه الوعاظ  وهؤلاء الوعاظ يشكلون الدين كما يريدون ، يرفض الواحد منهم الجدل والنقاش والحوار يتمترسون خلف مقالة : قال الرسول ، ويرفضون قول القائل لهم تعالوا إلى البحث 

      4.  إن كلام الرسول حق لكنه لا يدعوا إلى قبول الجور والرضا به ، ولا يقول ما يهدم التوحيد ، ولا يسوغ فسق الفاسقين بالقدر المقدور ، ولا يهز وعيد الله ، ولا ينشر الخرافات ، ولا يقول ما يخالف المعقول الحسي مثل حديث سجود الشمس عند العرش ، فهي نجم يسير في فلك 

      5.  إنّ مدونات كتب الحديث طافحة بمثل هذه الأقوال ، ونحن نزعم أن الرسول لم يقل ذلك فماذا أنتم قائلون ؟ يقلبون سلم الفهم فيدعون أن الصحابة هم المرجع ، ثم مرجع الصحابة إلى التابعين ، وهؤلاء مرجعهم  اتباع التابعين ، ومرجع أتباع التابعين نقلة الحديث دون غيرهم ، ومرجع نقلة الحديث إلى من وصفوهم بأنهم أئمة هذا الشأن ، والمرجع بعد ذلك إلى حجة الإسلام وشيخ الإسلام ، وينتهي بهم المطاف إلى أنفسهم ، الأصل أن النص إن قاله الرسول فهو حق ، والدليل ليس السند ، إن مهمة السند يعني قبول الدعوى شكلا ، لكن الموضوع يقبل بعرضه على القرآن فهل يقبلون ذلك ؟   

      6.  إن الله جل جلاله أقام حجته على المكلفين بالدليل العقلي ، والنص الذي يشهد له العقل على الجملة ، ولا يصح تعارض حجج الله ، والرسول وخيار الصحابة والأئمة المعتبرين من أهل التوحيد والعدل ، يبرءون من مقالات التجسيم والجبر واهتزاز الوعيد وموالاة الظالمينفالرشد الرشد في القول والعمل أيها المستضعفون               

      إن الإسلام دعوة للإيمان بالتوحيد التنـزيهي ، وإثبات أن الله عدل لا يفعل القبيح ولا يظهر المعجز على يد الكذابين ، ودعوة للأعمال الصالحة التي تعود بالنفع على الناس في عيشهم وحياتهم وفي علاقاتهم ، يؤمنون بإله واحد لا هيمنة ولا سيطرة لأحد عليهم إلا سيطرة القناعات والمفاهيم والمقاييس تحررت إرادتهم الجماعية فتوحد الفعل منهم يسيرون صعدا في مدارج الرقي.

يا اتباعَ الحق ! ويا طلابَ الرشد ! ويا حملةَ راية التوحيد والعدل !

الأمر جدٌ لا هزل فأنتم أمامَ مفترق طرق : طريق الاندثار ، أو طريق التبعية للولايات المتحدة وشركائها ، أو العودة لطريق الرشد ، من خلال وعيكم على التوحيد والعدل 0

فأيُّ طريق تختارون ؟ وعلى أي درب أنتم سائرون ؟
{ والعصرِ * إنَّ الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }

0 التعليقات:

إرسال تعليق