ربط أهل العدل والتوحيد بين نظرية “الجبر” وبين السلطة الأموية ورأوا أن لهذه الأفكار الجبرية أبعاداً سياسية في المجتمع بل اتهموا معاوية بن أبي سفيان بأنه أول من اشاع هذا اللون من الفكر حتي يدعم سلطته وسلطانه ويوهم أن انتقال الخلافه اليه وإلي أهل بيته من بعده إنما هو بقضاء الله وقدره الذي يجب التسليم به والرضا عنه.
فالقاضي عبدالجبار ينقل عن شيخه أبو علي الجبائي فيقول” وذكر شيخنا أبو علي أن أول من قال بالجبر وأظهره معاوية وأنه أظهر أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ليجعله عذرا فيما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه وأن الله جعله إماما وولاه الأمر وفشا ذلك في ملوك بني أمية وعلي هذا القول قتل هشام بن عبدالملك غيلان الدمشقي ثم نشأ بعدهم يوسف السمني فوضع لهم القول بتكليف ما لا يطاق”.
وأكد الجاحظ قبل القاضي عبدالجبار وقبل الجبائي هذا المعني عن نشأة الجبر والجبرية وارتباطهما بالسياسة الأموية عندما تحدث عن زياد بن أبيه والي الأموين علي العراق فقال إنه ” شر ناشيء في الاسلام نقضت بدعوته السنة وظهرت في أيام ولايته بالعراق الجبرية”.
ولقد تحددت الأبعاد السياسية للاختيار لأنه كان الموقف الفكري المناهض للجبر بأبعاده السياسية كما كان أهل العدل والتوحيد هم القائمون فكريا وعمليا علي هذا الاتجاه ضد خصومهم من المفكرين والسياسين.
لقد شاع هذا الموقف المعادي من قبل القائلين بالعدل للسلطة الأموية حتي صار سمة عامة لهم تجمع كل اللذين قالوا بالحرية والاختيار للانسان من كل الفق والمدارس والأصول العرقية والتيارات.
فغيلان الدمشقي يكتب الي الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز يعنفه عندما توهم في موقفه بوادر التهادن مع أفراد أسرته فيرد عليه عمر قائلا: ” أعني علي ما أنا فيه” فيعاونه ويتولي مهمة الاشراف علي بيع ثروات المصادرة من الأسرة الاموية الحاكمة في مزاد علني كان أشبه بالتظاهرة السياسية ضد الأمويين ويقف غيلان في هذا المزاد ينادي جماهير الناس ويقول لهم” تعالو الي متاع الخونة….تعالوا الي متاع الظلمة…..تعالوا الي متاع من خلف رسول الله في أمته بغير سنته وسيرته” ويدفع غيلان حياته ثمنا لهذا الموقف الثوري عندما يتولي هشام ابن عبدالملك فيصلبه علي باب دمشقثم يقطع يديه ورجليه ثم يقطع لسانه بعد أن استمع يخاطب الناس من فوق صليبه بكلام” بكي الناس ونبههم علي ما كانوا عنه غافلين” حسب تعبير حاشية هشام ومستشاريه.
والحسن البصري الذي كان يري في اختيار الانسان وحريته الأمانة التي حملها الانسان بعد أن خشيت حملها السماوات والأرض والجبال كما صرح كثيرا بالهجوم علي بني أمية وعمالهم وبخاصة الحجاج بن يوسف الثقفي ولقد روي أنه تلا يوما آية”إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها الإنسان” ثم أردف يقول ” إن قوما غدوا في المطارف العتاق والعمائم الرقاق، يطلبون الامارات ويضيعون الأمانات، يتعرضون للبلاء وهم منه في عافية حتي إذا أخافوا من فوفقهم من أهل العفة وظلموا من تحتهم من أهل الذمة أهزلوا دينهم وأسمنوا براذينهم- يعني دواب حملهم- ووسعوا دورهم وضيقوا قبورهم ، ألم ترهم قد جددوا الثياب وأخلقوا الدين؟! يتكيء أحدهم عن شماله فيأكل من غير ماله طعامه غصب وخدمه سخره…”
وأبو الأسود الدؤلي يروي الشريف المرتضي أنه ” دخل علي معاوية بالنخيلة فقال له معاوية: أكنت ذكرت للحكومة؟ قال نعم ، قال: فماذا كنت صانع؟ قال : كنت أجمع ألفا من المهاجرين وأبنائهم، وألفا من الأنصار وأبنائهم، ثم أقول : يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحق؟ أم رجل من الطلقاء؟! فلعنه معاوية، وقال الحمد لله الذي كفاناك”
والقاضي عبدالجبار يقول” إن الوجوه التي لا يصلح معاوية للإمامة لها ظاهرة لا شبهة فيها” وإن ” من حاله مثل حال معاوية فلا شبهة في أمره مع الأمور التي ظهرت فيه التي أقل أحوالها الفسق من جهات كثيرة” ثم يعدد هذه الصفات فيقول:
ولو لم يكن فيه إلا ما فعله “بحُجر” وأصحابه واستلحاق زياد وتفويض أمر الأمة الي يزيد وتحكمه علي أموال المسلمين ووضعها في غير حقها ووثوبه علي الأمر وشقه عصا الأمه وما ظهر منه من الخزي لكان كافيا….” والقاضي يسوق هذه الأحكام السياسية ضد الأمويين اثناء بحثه في الإمامه وخلال الحديث عن أصل العدل من أصول المعتزلة وفي كل ذلك دليل علي أن المعتزلة رأوا في مبحث الإمامة بعداً سياسيا لفكرة الحرية والاختيار وذلك في مقابل البعد السياسي الذي اتخذه الأمويون واستغلوه لصالح إمامة التغلب المستنده الي فكره الجبر وتبريرات الجبرية.
والإمام الزمخشري صاحب تفسير الكشاف يدين هو الآخر دولة بني أمية ويصف أمرائها بأنهم” الأمراء الجورة” وينسب هذه التسمية الي الرسول وذلك عندما يقول في تفسير آية” واتبع ما يوحي اليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين” روي أنها لما نزلت جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم الأنصار فقال إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتي تلقوني. يعني أني أمرت في هذه الآية بالصبر علي ما سامتني الكفرة فصبرت ، فاصبروا أنتم علي ما يسومكم الأمراء الجورة….وروي أن قتاده تخلف عن تلقي معاوية حيت قدم المدينة وقد تلقته الأنصار ثم دخل عليه من بعد فقال له: مالك لم تتلقنا؟ قال: لم تكن عندنا دواب، قال فاين النواضح: قال قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر!! وقد قال الرسول : يامعشر الأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة…قال معاوية : فماذا قال؟ قال: قال فاصبروا حتي تلقوني قال : فاصبر قال : إذن نصبر.
فقال عبدالرحمان بن حسان:
ألا ابلغ معاوية بن حرب أمير الظالمين نثا كلامي ( أي كلامي المعلن)
بأنا صابرون فمنظروكم إلي يوم التغابن والخصام
والخياط يلخص مذهب المعتزلة ورأيهم في الدولة الأموية عندما يتحدث عن أن البراءة من”عمرو” ومن “معاوية” ومن وقف في صفهما “قول لا تبرأ المعتزلة منه ولا تعتذر من القول فيه” وأنهم يرون أن الصحابة والتابعين بإحسان اللذين كانوا في زمن معاوية ويزيد وبني أمية معذورون في جلوسهم عنهم لعجزهم عن إزالتهم ولقهر بني أمية لهم بطغام أهل الشام ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها” راجع الانتصار والرد علي ابن الراوندي الملحد.
فأي رقي هذا الذي ابدعة هؤلاء الرجال؟ واي عقل ذلك الذي ينتصر للأمة لا للسلطان، وللحق لا للباطل، وللعدل لا للجور
0 التعليقات:
إرسال تعليق