أخيراً معتزليون………. وفي القاهرة!
حينما يتحول الوهم الي حقيقة، والمجهول إلي معلوم، وينقلب الغائب الي حاضر، والمعدوم الي موجود ، فهو شعور رااااااائع، هذا ما حدث معي تماما، بعد أن انقطعت عني رسائل الشيخ المرحوم أمين نايف ذياب http://www.geocities.com/mutazela رحمه الله تعالي رحمة واسعة بوفاته، بدأت أبحث عن ملتقي لأهل العدل والتوحيد أو منبر لهم أو منتدي…..لم يكن الأمر سهلا ولا يسيرا…..ظللت ساعات وربما ايام ……الي أن وقعت يدي بعد بحث طويل وعبث في الشبكة العنكبوتية، وصلت الي منتدي الكتاب الذي أغلق فيما بعد، وكنت متلهفا إلي مراسلة أحدهم علني أتمكن من جلاء الحقيقة ومعرفة المزيد عن هذا الفكر الذي قُيل لنا عبر الدراسة، أنه أنتهي وذاب مع الزمن، هو ورجاله، وأنه فسق وزندقة وخروج و….إلخ، كان حرصي وهمي علي أن اسمع عن المعتزلة من المعتزلة، أو أسمع عن الشيعة ومذهبهم من الشيعة أنفسهم، وأن أسمع عن أهل الاثر والحديث من أهل الأثر والحديث لا من خصومهم أو أندادهم، وهذا هو منهج موضوعي محايد محترم، وفق ما أري،
وجدت الاستاذ الحسيني http://alhousseiny.wordpress.com/ ، فراسلته http://geocities.com/al_housseinyy/وعرفته بنفسي كان الرجل في غاية الاحترام والأدب والتلطف معي، اتفقنا علي موعد علي الانترنت، بدأ الحديث بيننا ودام طويلا بأسئلة من قبيل لماذا تبنيت هذا الفكر ؟ متي سمعت به؟ ما الذي جذبك إليه ؟ كيف تعرفت عليه ونحن نعيش في بيئة تختلط فيها الآراء والأقوال بين الأشاعرة والسلف أهل الأثر وغيرها؟ عرفت أنه مصري ففرحت بذلك أشد الفرح ، فبكل بساطه سأعرف أن أتواصل معه بشكل مباشر لكن هو ليس في مصر بل خارجها، لكن مهلا متي يأتي الرجل إلى مصر، قال لي أنه سينزل في أجازته السنوية المعتاده ، سيأتي الرجل لزيارة مصر إذا ، ظللت أنتظر هذه الزيارة المرتقبة طويلا ، ثم غابت رسائل الاستاذ الحسيني ومقالاته طويلا، وانقطعت إيميلاته حتي بدأ القلق يدب في نفسي، وفجأة وأنا في قريتنا القابعة في شمال شرق القاهرة وأنا مع والدتي أتسامر معها بين المغرب والعشاء، إذا بالهاتف يتصل وإذ به الاستاذ الحسيني (السلام عليكم أستاذ محمد ، أنا معتز الحسيني من مصر أحدثكم …. من مصر !!!) لم أكن أصدق نفسي أحقا ما أسمع ، إذا سيتحول المتخيل الي حقيقة، وسنتقابل وجها لوجه.
في نادي الشمس
اتفقنا علي ميعاد للمقابلة ، وكانت في نادي الشمس، كان بصحبتنا المقاتل المصري الذي يكتب علي منتدي الأحرار ومنتدي المعتزلةhttp://www.al-a7rar.net/forum/index.php ، وهو الذي اقترح علينا مشكوراً أن يستقبلنا في نادي الشمس المعروف لأهل المحروسة، في منطقة مصر الجديدة، كم كنت سعيدا باللقاء…..الذي استمر طيلة يوم الجمعة المبارك، جلسنا وشربنا بعض المثلجات ثم بدأنا في التعارف المباشر، كانت جلسة أخوية تملأها السرور والبهجة حيث كان أغلبنا من الشباب، كنا حينذاك أربعة، لم يتجاوز أكبرنا سن السابعة والثلاثين عاما تقريبا، وبالتالي مايمكن أن نسميه حوار تواصل الأجيال وتبادلهم الخبرات والمعارف والمهارات، بخلاف ما هو متوارث ومعهود في الجلسات الفكرية أو الدينية أو الثقافية حيث يجلس شيخ كبير السن ضيق الأفق- للأسف أقول ذلك- لا يعرف سوي رأيه ومذهبه واتجاهه، ولا صوت يعلو فوق صوته، وهو لا يقبل المخالفة في الرأي حفاظا علي صورته ووجهه أمام العامة والحاضرين، حقا إنها مشكلة يقع فيها كثير من مثقفينا وعلمائنا أن يظنوا ويعتقدوا الآخر هو الصغير وهو الجاهل وهو الضعيف وهو المسكين في بحر العلم وكأن الصغير لن يكبر والجاهل لن يتعلم !! كما أن العوام من الناس يعشقون الاختلافات ويتندرون بها وكأنها من باب الإحراج أو الوقيعة عندما يلقي أحدهم سؤالا يتحرج أو يمتنع الشيخ أو الاستاذ أو الدكتور عن الاجابة لنسيان أو لأي سبب كان.
علي كل حال كان كل واحد منا يتلهف للحديث حول بدايات اهتمامه بالفكر الاعتزالي، وببعض قرائته، والكتب التي وقعت تحت يديه، تحدث أحدنا حول قرائته في المذهب الزيدي، والشيعي الإثني عشري، وتحدث الاستاذ الحسيني حول رحلته في ألمانيا، ودراسته، واهتماماته، وعلاقته بأهل العدل والتوحيد، وتحدثت أنا حول أسباب اهتمامي بالفكر الاعتزالي والذي لا يعني تبني أو عدم تبني، فلا يستطيع عاقل أو باحث جاد أن يُزعم لذاته أنه تبني هذا المنهج أو ذاك من مجرد قرائته كتابا أو كتابين أو دراسته سنة أو سنتين، الأمر في حاجة إلي زمن أو فتره ليست بالقصيرة حتي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
أختلط الحديث يمينا ويسارا بين حديث عن الذكريات والماضي، الي حديث عن المستقبل الي آخر حول الواقع حتي حانت صلاة الجمعة، انتقلنا الي المسجد وكان الخطيب يومها الدكتورعبدالله سمك كما ميزتُ من صوته ، وكان القاريء والإمام الذي أم الصلاة (الشيخ محمد جبريل) القاريء ذا الصوت الشجي الجميل،الرقيق، وكان المسجد ضيقا، وصغيرا جدا، لدرجة أن الأعداد التي كانت بالخارج أكبر من التي في الداخل، صلينا في الخارج علي الأرض النابت فيها بعض ال(نجيلا) أو كما يسمى باللهجة العامية (الحشيش)، كان الجو ساخنا والشمس في كبد السماء، تُرسل أشعتها الملتهبة في الظهيرة، لكن الذي خفف وطأة الحرارة هو ذلك الصوت الندي للشيخ محمد جبريل.
اتجهنا بعدها الي الجلوس قليلاً بعد الصلاة ليبدأ المقاتل المصري طرح بعض الأسئله حول عدد من القضايا التي تشغل باله للأستاذ الحسيني كقضية ( رضاع الكبير، والميراث، وخلق الجنة والنار، والنسخ في القرآن، والخير والشر) وكان الحوار يسير ذهابا وإيابا، وهي قضايا تستحق جلسات وجلسات وكتب ومجلدات حيث هي من أمهات القضايا الخلافية وليست جلسة في ساعة أو أكثر.
من النادي إلي الأزهر
انتقلنا بعدها الي الخروج من نادي الشمس حيث فارقنا الأخ المقاتل المصري لظروفه الأُسرية، اتجهنا صوب الجامع الأزهر في منطة الحسين، كان الطريق مزدحما بل غاية في الضيق والعشوائية، خاصة عندما تخرج من منطقة غمرة الي العتبه الي الحسين.
بالطبع كان الجُوع قد أخذ منا مأخذه، وأجمعنا نحن الثلاثة علي أكل الكشري، تلك الأكلة الشعبية الرخيصة المُشبعة، وبعدها صلينا العصر في المسجد الأثري مسجد الأزهر، من بعيد …….وأنت ترى تلك الحارات الضيقة والدكاكين الأكثر ضيقا، يُوحي اليك من عمق التاريخ والزمن صُور عن علماء الأزهر الرجال الحقيقين وطلاب الأزهر ودور الأزهر التوعوي والثقافي والتربوي والجهادي والنضالي وتراث الأزهر وقيمة الأزهر - حتي ولو كان الأزهر منارة للفكر الأشعري فليس من مصلحة أحد أن يخفت صوت المسجد ورجاله- ثم ترتد إليك النظرة لتقول يا هذا استيقظ ………فقد تم تأميم الأزهر…………….وتأممت أوقافه، واعتدت الدوله عليه، وبات حاله يرثي له من الضعف والهزال وعدم التحديد أو الجزم.
تتجه للبحث عن الكتب والمكتبات وما أدراك ما المكتبات ؟؟ ……فكما قال المتنبي:
(أعز مكان في الدنيا سرج سابح *** وخير جليس في الأنام كتاب ، أو يقال وخير جليس في الزمان كتاب ****تسلو به إن خانك الأصحاب)
كانت قبلتنا الي نوعية الكتب والمكتبات التراثية لتجد نفسك متلهفة لاقتناء الكثير حتي تتعرف علي أجدادك وأجداد أجدادك، وتفتخر وتتعلم كما تعلموا، ليس هذا فحسب بل كما قال أحد العقلاء "صحبت الناس فملوني ومللتهم، وصحبت الكتاب فما مللتة ولاملني"، لكن ما باليد حيله، فلم يعد من بين أهداف الدولة تشجيع الكتب أو الكتاب إلا من فئات محددة ومحددة سلفا وصاحبة اتجاه يسير مع أجندة النظام السياسي، ولم يعد من بين أهداف أحد من رجال الأعمال أو الكتاب أو الصحفيين أو المفكرين أو حتي العلماء عبء إنشاء جيل من المثقفين أو المفكرين او العلماء فالكل مشغول بنفسه وبلقمه عيشه، كان الاستاذ الحسيني قد أعد ورقة حول بعض الكتب التي يحتاجها هو وبعض زملائه في الدارسة، وصلنا الي مكتبه تُباع فيها كتب تراثية ووجدنا عن المعتزلة ، كل أجزاء المُغني في أبواب العدل والتوحيد بعد تنقيب وبحث، كانت البغته أن الكتب غالية الثمن جداا، لكن البائع لا يملك سوي نسخة واحدة هي التي يطبع لك منها إن أردت، وهو يحتفظ بهذا الكنز له وحده في مكان خاص، فالطلب عليه ليس بكثير، ومن يعرف قيمة هذه الكتب قليل، وتسائلنا لم لا تقوم دار الكتب المصرية بنشر بعض الكتب التي نُشرت في زمن مضي وبسعر زهيد أو مناسب للجمهور كما كان؟ وهو سؤال يجيب عليه القائمون في الدار وحدهم.
أُمنيــات
غادرنا المكتبات وبداخل كل منا كتب يتمني لو اقتناها، وكتب يتمني لو قرئها، وكتب يتمني لو خطها بيديه، وكأنه يقول لو كنت مسؤلا ؟ لو كان بيدي شيء من الأمر لوزعت هذه الكنور مجانا علي القاصي والداني ، ولعقدت المحاضرات والأبحاث والندوات والمؤتمرات، بدلا من مؤتمرات تتحدث عن التجديد والاصلاح وهي بعيده عنه كل البعد، عدنا من حيث أتينا الي منطقة العتبة، سلمت علي الدكتور الحسيني وعلي صديقه وسألته الدعاء لي بظهر الغيب ووعدته بذات السؤال.
استقليت مترو الأنفاق وأنا أفكر طيلة الطريق في كيفية هضم التراث المعتزلي وقرائته واستيعابه وفهمه وإدراكه بل وسبل جمعه؟ ومن أين يكون التمويل؟ ثم تسائلت وماذا بعد كل ذالك؟ ماذا عن الآخرين ؟ هل سينتفع أحد به ؟ هل سيتمكن أحد من فهمه؟ في ظل حالة من الخطاب الديني السطحي والغيبي والهزيل، هذا فضلا عن الحالة النفسية المتوارثة لدي الجماهيرعن أي تيار عقلاني إسلامي مستنير؟ ثم أهو فكر نخبوي ، فكر لصفوة الصفوة ؟ أم يمكن للعوام من المسلمين بشكل مبسط أن تستوعب وتتفهم ؟ قلت في نفسي ليس علينا إدراك النجاح لكن علينا الفعل والعمل، تذكرت إبان الحضارة العباسية أو الأندلسية علماء المسلمين وفقهائهم ومدارسهم وطلابهم وكيف كانوا يعيشون في حالة من الثراء المعرفي والفكري والثقافي والفقهي دون تعصب أو تشنج أو اتهامات وتشكيات في الدين والعرض والغاية، ولا تزال الأسئلة قائمة والرحلة مستمرة
السلام عليكم
ردحذفأريد طرح بعض الأسئلة بخصوص المعتزلة إذا وافقتم؟