د.حسن حنفي يتسائل: هل يمكن إقامة نهضة علي أسس أشعرية؟
لا تقام نهضة إلا علي أسس فكرية يعاد بناء القديم وإلا ظل القديم هو الأساس النظري للنهضة الجديدة وغير قادر علي أن يعطيها أسسا نظرية وبالتالي تفشل النهضة لعدم التطابق بين الموروث القديم كأساس نظري وبين تحديات العصر التي تقوم النهضة استجابة لها.
وتقوم نهضتنا الحالية التي بدأت مواكبة للإصلاح الديني أو بعدها بقليل علي نفس الأسس التقليدية التي بني عليها تراثنا القديم في معظمه وهي الأسس الأشعرية التي استقرت في الوعي التاريخي ابتداءً من القرن الخامس الهجري حتي الآن أي بدايات القرن الخامس عشر، وبعد أن حسم الصراع بين التيارات الفكرية لحساب الأشاعرة منذ ألف عام. ولم تكن هناك محاولات في عصرنا الحالي لتغيير هذه الأسس إلا محدودة جداً وبطريق نسبي كما فعل محمد عبده عندما بقي أشعريا في التوحيد وأصبح معتزليا في العدل. وبالرغم من هذا التحول النسبي في الأسس النظرية لحركة الإصلاح الديني إلا أنها ظلت في مجموعها أشعرية، وكأن استقلال الفكر وحرية الإرادة أي العدل الاعتزالي لا يبقي طويلا دون استناد الي التوحيد الاعتزالي أي الله كمبدأ تتساوي فيه الذات والصفات. وأن هذين المبدأين إذا ما ارتكزا علي التوحيد الأشعري أي الله كشخص تزيد فيه الصفات علي الذات. فبالرغم من تركيز الحركة الاصلاحية الحديثة علي استقلال العقل وحرية الاختيار إلا أنهما بقيا تحت المظلة الأشعرية. فهناك مناطق لا يستطيع العقل أن يصل إليها بمفرده ويحتاج فيها الي وصي، وهذا الوصي هو النبي كما يقول محمد عبده، فما زالت هناك قوي خارجية تسيطر علي قوي الانسان والطبيعة يحتاج اليها الانسان في أوقات عجزه، ويطيع لها الكون بتغيير مساره.
والأخطر من ذلك وفي مقابل هذا التحول النسبي أو تطعيم الأشعرية السائدة ببعض الإعتزال القديم والذي لم ينجح كثيرا ولم يستمر اتحدت الأشعرية بالتصوف وازدوجت به، فأصبح التصوف أيضا أشعريا في أسسه، وأصبحت الأصول الأشعرية التمهيدات الفكرية للطرق الصوفية. وسادت الأشعرية أيضا في الفقه بسيادة المذهب الشافعي دون الحنفي أو المالكي. فقد كان معظم الأشاعرة شافعية، وكثير من الأحناف معتزلة. كما سادت الأشعرية الفلسفة الاشراقية التي تشارك الأشعرية في نفسس الأسس النظرية كما هو واضح عند ابن سينا خاصة. وبالتالي أصبحت الأشعرية هي الرافد الرئيسي في ثقافتنا القومية.
ويروج بعضنا اليوم للأشعرية، ويجعل نفسه شيخها دون مراعاه لظروف العصر وحسن الاختيار من البدائل المطروحة طبقا لمرحلتنا الحالية وظروفنا الاجتماعية إما طلبا للشهرة والدعاية أو دفاعا عن النفس في شخص القديم خاصة ولو كان هذا القديم هو الأساس النفسي والثقافي الذي تقوم عليه السلطة السياسية. فهو مطلب سياسي في صورة علمية، وموقف مزدوج ينم عن الرغبة في السيادة في السياسة والثقافة وفي ممارسات الطرق الصوفية.
ونظراً للفراغ النظري الذي يقبع تحت الأشعرية فإنه تم تطعيمها مؤخراً بالتصوف مرة، وبالفقه مرة ثانية، وبالفلسفة مرة ثالثة. ففي التصوف أخذت الاشعرية السلطة الخارجية والإرادة المطلقة التي تسيطر علي كل شيء. ومن الفقه أخذت مباحث العله والأحكام وأحيانا العمليات حشوا بلا ترابط داخلي. ومن الفلسفة أخذت مباحث الجوهو والعرض وهي المقدمة الطبيعية للإلهيات أو هي الإلهيات المقلوبة. بل إن رفاعة الطهطاي مؤسس النهضة الحديثة لم يتخل عن الأسس الأشعرية كما وضعها القدماء وعرض أفكار التنوير اعتمادا علي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ونظر للدولة الوطنية اعتمادا علي التراث القديم ومصادره الفقهية.
ويظل السؤال: هل يمكن إقامة نهضة علي أسس أشعرية؟ هل يمكن في نظرية العلم أن نؤسسها علي أنه لا يوجد ارتباط ضروري بين النظر والعلم وأنه مهما نظر الانسان فإن العلم قد لا يتولد من النظر بل قد يأتي من مصدر آخر في مجتمع تكثر فيه الإلهامات؟
هل يمكن في نظرية الوجود أن نتصور أن الجواهر قد تعري عن الأعراض أو أن الأعراض قد توجد بدون الجواهر تملقا للسلطة المطلقة ودفاعا عن حقها علي حساب قوانين الطبيعة في مجتمع تغيب فيه العلية؟
هل يمكن اعتبار الصفات زائدة علي الذات لافساح المجال للرحمة علي حساب العدل في مجتمع في أمس الحاجة إلي العدل، والرحمة فيه أقرب الي التحايل المقصود علي القانون؟
هل يمكن تصور الذات الإلهية مشخصة دون أن تكون مبدأ عاما شاملاً يتساوي أمامه الجميع يعاني من اللامساواه والتفاوت بين الناس؟
هل يمكن تصور العقل قاصراً في حاجة الي النقل في مجتمع يعاني من نقص استعمال العقل؟
هل يمكن اعتبار الانسان مجبراً في أفعاله في مجتمع يئن من القهر والجبر والطغيان؟
هل يمكن تصور الانسان مازال معتمدا في علمه وحياته علي قوة خارجية في مجتمع يعاني من ترك الاعتماد علي الذات ويكثر من الاعتماد علي الآخر؟
هل يمكن التركيز علي حياه الانسان بعد الموت والشفاعة علي حساب الدنيا وقانون الاستحقاق في مجتمع مغرق في التصوف ويعتمد علي الواسطة ولا يربط بين العمل والجزاء؟
هل يمكن جعل الايمان هو القول دون العمل في مجتمع يكثير فيه الكلام ويقل العمل؟
هل يمكن جعل الامامة في فئة واحدة، قريش قديما، والضباط حديثا علي حساب الصفات الفردية وفي مجتمع يرزخ تحت الشللية والانقلابات والطائفية؟
هل يمكن تكفير الفرق واعتبارها كلها هالكة وأن الواحدة فقط هي الناجية في مجتمع تسيطر عليه حكومات الحزب الواحد والمعارضة فيها في السجون؟
لا تقام نهضة إلا علي أسس فكرية يعاد بناء القديم وإلا ظل القديم هو الأساس النظري للنهضة الجديدة وغير قادر علي أن يعطيها أسسا نظرية وبالتالي تفشل النهضة لعدم التطابق بين الموروث القديم كأساس نظري وبين تحديات العصر التي تقوم النهضة استجابة لها.
وتقوم نهضتنا الحالية التي بدأت مواكبة للإصلاح الديني أو بعدها بقليل علي نفس الأسس التقليدية التي بني عليها تراثنا القديم في معظمه وهي الأسس الأشعرية التي استقرت في الوعي التاريخي ابتداءً من القرن الخامس الهجري حتي الآن أي بدايات القرن الخامس عشر، وبعد أن حسم الصراع بين التيارات الفكرية لحساب الأشاعرة منذ ألف عام. ولم تكن هناك محاولات في عصرنا الحالي لتغيير هذه الأسس إلا محدودة جداً وبطريق نسبي كما فعل محمد عبده عندما بقي أشعريا في التوحيد وأصبح معتزليا في العدل. وبالرغم من هذا التحول النسبي في الأسس النظرية لحركة الإصلاح الديني إلا أنها ظلت في مجموعها أشعرية، وكأن استقلال الفكر وحرية الإرادة أي العدل الاعتزالي لا يبقي طويلا دون استناد الي التوحيد الاعتزالي أي الله كمبدأ تتساوي فيه الذات والصفات. وأن هذين المبدأين إذا ما ارتكزا علي التوحيد الأشعري أي الله كشخص تزيد فيه الصفات علي الذات. فبالرغم من تركيز الحركة الاصلاحية الحديثة علي استقلال العقل وحرية الاختيار إلا أنهما بقيا تحت المظلة الأشعرية. فهناك مناطق لا يستطيع العقل أن يصل إليها بمفرده ويحتاج فيها الي وصي، وهذا الوصي هو النبي كما يقول محمد عبده، فما زالت هناك قوي خارجية تسيطر علي قوي الانسان والطبيعة يحتاج اليها الانسان في أوقات عجزه، ويطيع لها الكون بتغيير مساره.
والأخطر من ذلك وفي مقابل هذا التحول النسبي أو تطعيم الأشعرية السائدة ببعض الإعتزال القديم والذي لم ينجح كثيرا ولم يستمر اتحدت الأشعرية بالتصوف وازدوجت به، فأصبح التصوف أيضا أشعريا في أسسه، وأصبحت الأصول الأشعرية التمهيدات الفكرية للطرق الصوفية. وسادت الأشعرية أيضا في الفقه بسيادة المذهب الشافعي دون الحنفي أو المالكي. فقد كان معظم الأشاعرة شافعية، وكثير من الأحناف معتزلة. كما سادت الأشعرية الفلسفة الاشراقية التي تشارك الأشعرية في نفسس الأسس النظرية كما هو واضح عند ابن سينا خاصة. وبالتالي أصبحت الأشعرية هي الرافد الرئيسي في ثقافتنا القومية.
ويروج بعضنا اليوم للأشعرية، ويجعل نفسه شيخها دون مراعاه لظروف العصر وحسن الاختيار من البدائل المطروحة طبقا لمرحلتنا الحالية وظروفنا الاجتماعية إما طلبا للشهرة والدعاية أو دفاعا عن النفس في شخص القديم خاصة ولو كان هذا القديم هو الأساس النفسي والثقافي الذي تقوم عليه السلطة السياسية. فهو مطلب سياسي في صورة علمية، وموقف مزدوج ينم عن الرغبة في السيادة في السياسة والثقافة وفي ممارسات الطرق الصوفية.
ونظراً للفراغ النظري الذي يقبع تحت الأشعرية فإنه تم تطعيمها مؤخراً بالتصوف مرة، وبالفقه مرة ثانية، وبالفلسفة مرة ثالثة. ففي التصوف أخذت الاشعرية السلطة الخارجية والإرادة المطلقة التي تسيطر علي كل شيء. ومن الفقه أخذت مباحث العله والأحكام وأحيانا العمليات حشوا بلا ترابط داخلي. ومن الفلسفة أخذت مباحث الجوهو والعرض وهي المقدمة الطبيعية للإلهيات أو هي الإلهيات المقلوبة. بل إن رفاعة الطهطاي مؤسس النهضة الحديثة لم يتخل عن الأسس الأشعرية كما وضعها القدماء وعرض أفكار التنوير اعتمادا علي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ونظر للدولة الوطنية اعتمادا علي التراث القديم ومصادره الفقهية.
ويظل السؤال: هل يمكن إقامة نهضة علي أسس أشعرية؟ هل يمكن في نظرية العلم أن نؤسسها علي أنه لا يوجد ارتباط ضروري بين النظر والعلم وأنه مهما نظر الانسان فإن العلم قد لا يتولد من النظر بل قد يأتي من مصدر آخر في مجتمع تكثر فيه الإلهامات؟
هل يمكن في نظرية الوجود أن نتصور أن الجواهر قد تعري عن الأعراض أو أن الأعراض قد توجد بدون الجواهر تملقا للسلطة المطلقة ودفاعا عن حقها علي حساب قوانين الطبيعة في مجتمع تغيب فيه العلية؟
هل يمكن اعتبار الصفات زائدة علي الذات لافساح المجال للرحمة علي حساب العدل في مجتمع في أمس الحاجة إلي العدل، والرحمة فيه أقرب الي التحايل المقصود علي القانون؟
هل يمكن تصور الذات الإلهية مشخصة دون أن تكون مبدأ عاما شاملاً يتساوي أمامه الجميع يعاني من اللامساواه والتفاوت بين الناس؟
هل يمكن تصور العقل قاصراً في حاجة الي النقل في مجتمع يعاني من نقص استعمال العقل؟
هل يمكن اعتبار الانسان مجبراً في أفعاله في مجتمع يئن من القهر والجبر والطغيان؟
هل يمكن تصور الانسان مازال معتمدا في علمه وحياته علي قوة خارجية في مجتمع يعاني من ترك الاعتماد علي الذات ويكثر من الاعتماد علي الآخر؟
هل يمكن التركيز علي حياه الانسان بعد الموت والشفاعة علي حساب الدنيا وقانون الاستحقاق في مجتمع مغرق في التصوف ويعتمد علي الواسطة ولا يربط بين العمل والجزاء؟
هل يمكن جعل الايمان هو القول دون العمل في مجتمع يكثير فيه الكلام ويقل العمل؟
هل يمكن جعل الامامة في فئة واحدة، قريش قديما، والضباط حديثا علي حساب الصفات الفردية وفي مجتمع يرزخ تحت الشللية والانقلابات والطائفية؟
هل يمكن تكفير الفرق واعتبارها كلها هالكة وأن الواحدة فقط هي الناجية في مجتمع تسيطر عليه حكومات الحزب الواحد والمعارضة فيها في السجون؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق