فخر خوارزم المُفسر المظلوم: الإمام
الزمخشري
الإمام العلامة، والبحر الفهامة، الطود الأشم،
والبحر الخضم، إمام المفسرين، ورئيس اللغويين جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن
محمد بن عمر الخوازمي الزمخشري.
مولده
ولد بزمخشر من قرى خوارزم يوم الأربعاء 27 رجب
467هـ، في عهد السلطان أبي الفتح ملكشاه.
نشأته
كان السلطان أبو الفتح قد شجع على العلم ووسع على
العلماء، فنشأ الزمخشري في هذه الفترة وتلقى العلم على أكابر علماء بلده، رحل إلى
بخارى وفي طريقته سقط عن دابته فانكسرت رجله ثم بترت، فكان يتخذ رجلا من خشب، وقد
سقطت من الثلج .
ولم تحفل المصادر التاريخية بالحديث عن أسرة
الزمخشري، وما كانت تتصف به، والمعيشةالتي كانت عليها. فغاية ما ذكر
أن والده كان إماماً بقرية زمخشر. ويورد عدد منالمصادر ذكراً سريعاً
لأمه مرتبطا بحادثة يرويها الزمخشرى نفسه. ونستدل من هذهالأخبار أنها
امرأة ورعة تقية. ولو حاولنا أن نتعرف إلى أسرة الزمخشري أكثر، نجدأنه
قد أورد ذكراً لأسرته في أشعاره. ومنها نذكر هذين البيتين اللذين
قالهماالزمخشري مستغفراً الله من
الخمر:
أستغفر الله أنني قد نُسِبتُ بها ولمأكن لمحياها
بذَوَّاقِ
ولم يذقْها
أبي كَلاّ ولا أحدٌ من أسرتيواتِّفاق الناس
مصداقي
من الشعر السابق يظهر أن الزمخشري ينتمي إلى أسرةذات دين
وتقوى وورع، فقد كانت بعيدة عن مثل هذه المحرمات التي يستغفر
الزمخشريمنها.
وكان للزمخشري ألقاب عدة أطلقها عليه المؤرخون وكتّاب السّير.
وقدغلب عليه لقب جار الله ، فكان يُلقَّب به، ويُذكر معه حيثما ورد له
ذكر. وقداتفقت المصادر المتعددة على أن إقامة الزمخشري في مكة مجاوراً
البيت الحرام، كانتسبباً في إطلاق هذا اللقب. وقد ذكر ابن خلكان أن
اللقَب كان علماً عليه.
وقد ارتبط بالزمخشري لقب آخر، وهو فخر خوارزم، وتستخدمه معظم
المصادرعندما تشرع بالحديث عنه. ولعل إطلاق هذا اللقب على الزمخشري
راجع إلى المكانةالعلمية الجليلة التي كان يتمتع بها.
تتلمذ على محمد بن جرير الضبي الأصفهاني النحوي
المعتزلي، ثم رحل إلى خراسان وأصفهان وبغداد وفيها التقى بالإمام الدامغاني الفقيه
الحنفي، وسمع بغداد من نصربن البطر وبالشريف ابن الشجري، وتخرج به
أئمة، ثم سافر إلى مكة وجاور بها زمانا، فلقب بـ(جارالله) وبها لقي رعاية من الأمير
عُلَيّ بن عيسى بن وهاس العلوي الزيدي، وقرأ كتاب سيبويه على عبدالله بن طلحة
اليابري، وطاف أنحاء الجزيرة واليمن، ثم رحل عن مكة إلى وطنه فمكث زمنا، ثم عاد إلى
مكة وفي جواره الثاني ألف كتابه الشهير (الكشاف) ثم عاد إلى وطنه
خوارزم.
علاقته بإمام الزيدية:
ويحكي الزمخشري علاقته بالأمير فيقول
فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية من الدوحة الحسنية الأميرالشريف الامام شرف آل رسول الله أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس أدام الله
مجده وهو النكتة والشامة في بني الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم أعطش الناس
كبداوألهلهم حشى واوفاهم رغبة حتى ذكر انه كان يحدث نفسه في
مدة غيبتي عن الحجاز معتزاحم ما هو فيه من المشادة بطع
الفيافي وطي المهامة والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل الى إصابة هذا اغرض فقلت قد
ضاقت على امستعفى الحيل وعيت به العللورأيتني قد اخذت مني
السن وتقعقع الشن وناهزت العشر التى سمتها العرب دقاقة الرقابفأخذت في طريقة اخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد والفحص عن
السرائرووفقه الله وسدده ففرغ منه في مقدار مدة خلافة أبي
بكر الصديق رضي الله عهنه وكانيقدر تمامه في أكثر من ثلاثين
سنة
قال الزمخشري في عُلي ابن وهاس العلوي إمام
الزيدية و فضله عليه حين مقامه هناك :
بمكةَ آخيتُ الشريفَ و
فتيةً
تـُـوَالِيْهِ من آل
النبي غطارفا
يُتابعُ إنْ نُوظِرْتُ ردءاً
لشاغبٍ
و ينهضُ إنْ ذُوكِرْتُ
رِدْءَاً مُكاتِفاً
متى أقبلَ العلاَّمةُ انتفضوا
لهُ
و حَيَّوْهُ ، حيَّا اللهُ
تلك المــعارفا
و كان ابن وهاس لجنبي
فارشاً
كما تفعلُ الأمُ
الحــفيةُ لاحفا
و تـمَّ ليَ الكشاف ثمَّ
ببلدةٍ
بها هبط التنـزيل
للحق كاشفا
على باب أجياد بنى لي
منزلاً
كركن شمام بالصفا
متواصفا
و أنفق في إتمامه من
تلادِهِ
ثقيلات وزنٍ في
البلاد خفائفا
مولد الكشاف :
الدار التي ألف فيها الزمخشري كشافه، تعرف بـ
الدار السليمانية ، فقد ورد في إحدى نسخ كتاب الكشاف ما نصه : في أصل المصنف بخطه
رحمه الله : و هذه النسخة هي نسخة الأصل التي نقلت من السواد … ، و هي أم الكشاف
الحرمية المباركة المتمسح بها، المحقوقة أن تسنتزل بها بركات السماء، ويستمطر بها
في السنة الشهباء، فرغت منها يد المصنف تجاه الكعبة في جناح داره السليمانية التي
على باب أجياد الموسومة بمدرسة العلامة ، ضحوة يوم الاثنين 23 ربيع الآخر عام 528 …
. أهـ
و يبدو أن منزل الزمخشري كان ملتصقاً بأصل
الدار السليمانية، و أنها كالمرفق الجديد، و لهذا قال فيها : جناح داره ، و ظاهر
تسميتها بالسليمانية يدل على نسبتها إلى بني سليمان، و هم رهط و قبيل ابن وهاس،
فلعلها من أوقاف آله، أو مما ورثه من آبائه أيام إمارتهم .
و تبادل ابن وهاس و الزمخشري أبيات المديح، فكان
الزمخشري يقول:
خليليَّ من أعلى تهامة
أنجدا
أخاً كان غوريَّ
الهوى ثم أنجدا
أخالكما إن تسعدا
ببكاكما
أخاً لكما صباً تفوزا
و تسعدا
إلى أن يقول :
و لا كابن وهاس فتىً ضمَّ
بُردُه
حـساماً و ضرغاماً و
أخضر مزبدا
فتىً هو حاوٍ للمعاني
بأسـرها
و قد جلبت منه المعالي
بأوحــدا
عُلاً حسنيات سنيات
أنبتــت
له بيت مجد في السناء
مشـــيدا
نجيبٌ نمته من ذؤابة هاشـــم
نصاباً كفاه بالنبوة
محتـــــدا
يقول في الترحال والهجرة:
في الجزء الثالث من الكشاف بذيل الآية السادسة
والخمسين من سورة العنكبوت: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)
يقول: ((معنى إن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمش له أمر
دينه كما يحب فليهاجر إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلباً وأصح ديناً وأكثر عبادة
وأحسن خشوعاً. ولعمري إن البقاع تتفاوت في ذلك التفاوت الكثير، ولقد جربنا وجرب
أولونا فلم نجد ـ فيما درنا وداروا ـ أعون على قهر النفس وعصيان الشهوة وأجمع للقلب
الملتفت وأضم للهم المنتشر وأحث على القناعة واطرد للشيطان وأبعد من كثير الفتن
واضبط للأمر الديني في الجملة من سكنى حرم الله وجوار بيت الله، فلله الحمد على ما
سهل من ذلك وقرب ورزق من الصبر وأوزرع من الشكر. وعن النبي (ص): ((من فر بدينه من
أرض إلى أرض ـ وإن كان شبراً من الأرض ـ استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم
ومحمد…).
بعض من قابلوه:
ذكر التاج الكندي أنه رأى الزمخشري على باب الإمام
أبي منصور بن الجواليقي، وقال الكمال الأنباري لما قدم الزمخشري للحج، أتاه شيخنا
أبو السعادات بن الشجري مهنئا بقدومه، قائلاً:
كانَتْ مُسَاءَلَةُ الرُّكْبَانِ تُخْبِرُنِي عنْ
أحمدَ بنِ عليٍّ أطيبَ الخَبرِ
حتّى التَقَيْنا فلا واللهِ ما سَمِعَتْ أُذْنِي
بأحْسنَ مِمَّا قَدْ رَأَي بَصَرِي
وأثنى عليه ، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ
أبوالسعادات، فتصاغر له، وعظمه، وقال : إن زيد الخيْلِ دخل على رسول
الله -صلى اللهعليه وسلم- ، فرفع صوتَه بالشهادتين، فقال له : يا زيد
كلُّ رجلٍ وُصِفَ ليوَجَدْتُهُ دُونَ الصِّفَةِ إلاَّ أنتَ، فإنَّك
فوقَ ما وُصِفْتَ. وكذلك الشريفودعا له وأثنى عليه .
روى عنه بالإجازة أبو
طاهر السلفي ، وزينب بنتالشعري،وروى عنه
أناشيد إسماعيل بن عبد الله الخوارزمي، وأبو سعد أحمد بنمحمود الشاشي،
وغيرهما.
قال السمعاني : أنشدنا إسماعيل بن عبد الله ،
أنشدني الزمخشري لنفسه يرثي أستاذه مُضر النحوي:
وقَائِلَـةٍ ما هذه الدُّرَرُ التِي
تُسَاقِطُهَا عَيْنَاكَ سِمْطَيْنِ سِمْطَيْنِ
فَقُلْتُ هو الدُّرُّ الذي قَدْ حَشَا بهِ أبُو
مُضَرٍ أُذْنِي تَسَاقَطَ مِنْ عَيْنِي
ثناء المؤرخين عليه:
كان الزمخشري يتمتع بمكانه علمية مرموقة أوجدتها
له متابعته الحثيثة للعلم واهتمامهبه سواء أكان في مرحلة طلب العلم أم
في إعطائه للآخرين، ويشهد على مكانته العلميةالكبيرة تعدُّد المجالات
العلمية التي نبغ فيها، وقد حرص أكثر الذين ترجموا لهعلى ذكر المجالات
التي أبدع فيها، وذكروها ملازمةً له. فالذهبي يذكر أنَّالزمخشري كان
رأساً في البلاغة والعربية.
قال السمعاني : برع في الآداب، وصنف التصانيف، وَرَدَ العراق
وخراسان، ما دخل بلداإلا واجتمعوا عليه، وتلمذوا له، وكان علامة
نسابة، جاور مدة حتى هبت على كلامهرياح البادية.
وقال السيوطي في العالِم الشامخ محمود
بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشر، كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء،
وجودة القريحة،متفنِّناً في كل علم، معتزلياً قوياً في مذهبه، مجاهراً
به حنيفياً.
ويذكر صاحب كتاب ــ
الجواهر المضيئة ــعندما شرع في ترجمة الزمخشري قال عنه الإمام الكبير
المضروب به المثلفي علم الأدب ، وعلى الرغم من إعراض ابن حجر
العسقلاني عن الزمخشري لميله إلىالاعتزال ، فإنَّه أشاد به ، فيذكر
أنَّ الزمخشري كان في غاية المعرفة بفنونالبلاغة وتصرُّف
الكلام.
وقد أعلى ياقوت الحموي من قدر الزمخشري ،فعدَّه
إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب ، وأنه واسع العلم ، كبير الفضل
،متفنِّن في علوم شتى، وللمكانة العلمية العالية التي لمحها ياقوت
الحموي فيالزمخشري نجده يطلق عليه فَخْرَ خوارزم حيثما ورد ذكره في
كتابه.
وينتصر صاحب كتاب ــ تاج التراجم ــ إلى الزمخشري ويرفع من شأنه
،فيبتدئ ترجمته له بقوله: إمام عصره بلا مدافعة.
وأشاد ابن خلكان
بمكانةالزمخشري العلمية ، فذكر بأنَّه الإمام الكبير في التفسير ،
والحديث ، والنحو ،واللغة ، وعلم البيان ، وأنَّه كان إمام عصره من
غير مدافعة. ويذكر ابن خلكانفي موضع آخر من كتابه بأنَّ الزمخشري كان
من أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وهذا صاحب ــ كتاب الوشاح ــ يقول عنه :
أستاذ الدنيا ، فخر خوارزم ، جار الله ،العلامة أبو القاسم محمود
الزمخشري من أكابر الأمة ، وقد ألقت العلوم إليه
أطرافالأزمة.
وامتدح الكثيرون سعة علم الزمخشري وإتقانه للعلم،
فالسيوطييذكر أنَّه واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء، وجودة
القريحة، متفنناً فيكل علم، وأشار الفيروز أبادي إلى أنَّه إمام اللغة
والنحو، والبيان باتفاقجميع العلماء. وأشاد الكثيرون بما كان يتقنه
الزمخشري من علوم، فذكروا عندالحديث عنه أنَّه نحوي ولغوي ومحقق وبليغ
ومفسِّر وفقيه.
من هنا يظهرلنا تنبُّه المؤرخين للمكانة
العلمية العالية للزمخشري، ونقلت آراؤهم عند الحديثعن حقيقة هذا
العالم بما يتمتع به من قدرة كبيرة، وظهر أن الزمخشري بحق
موسوعيالمعرفة والثقافة. وهذا ما ظهر في كثرة نتاجه العلمي. فالزمخشري
صاحب مصنَّفات شملتجمل الثقافة المعروفة في عصره.
مؤلفاته:
ألف في كل فن، فهو إمام في التفسير، إمام في
النحو، إمام في البلاغة، فقيه، شاعر،أصولي،أديب، يظهر ذلك في كتبه، وقد أشرنا
سابقاً إلى المكانة العلمية التي كانت للزمخشري،وقد كان من أبرز مظاهر
هذهالمكانة كثرة نتاج الزمخشري ومصنفاته المتخصصة، فهذه الكثرة في
مؤلفاته تعكس بلا شكجانباً مهما ً من سعة معرفته
وعلمه.
وقد شملت المؤلفات التي خلفها الزمخشري
جمل النشاط الثقافي وعناصر الثقافة التي كانت سائدة في عصره، وأشاد
الكثير من أصحابالتراجم الذين ترجموا الزمخشري بمصنفاته . فنراهم عند
الشروع بالترجمة يذكرون أنهصاحب التصانيف البديعة، أو يقولون أنه صاحب
المصنفات المشهورة ، أويذكرون أنه صنف كتباً حسنة.
وذكرت أغلب المصادر مصنفات الزمخشري
والحديث عنها . وقد ذكر له المترجمون أكثر من خمسين مؤلفاً في موضوعات
شتى، وأورد صاحبكتاب كشف الظنون أكثر مؤلفات الزمخشري، وأورد جزءاً من
مقدماتها وخواتيمها.
برز الزمخشري في علوم شتى، وكانت له مؤلفات متعددة قيمة، فقد
صنّففي جوانب مختلفة من العلوم الدّينية، واللغوية، والنحوية،
والأدبية، والبلاغيةوغيرها. ومن مؤلفاته على سبيل المثال لا الحصر
أذكر :
(تفسير الكشاف المسمي
بالكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)، (المحاجاة
بالمسائل النحوية) و( المفرد والمركب في العربية).
و(الفائق في تفسير غريب الحديث) واختلفت المصادر
في اسم هذا الكتاب.فذكره صاحب هدية العارفين باسم، الفائق وشيمالرائق
في غريب الحديث، وأورده صاحب كتاب الجواهر المضيئة باسم غريب الحديث، أمَّا صاحب
كتاب تاج التراجم فأورده باسم الفائق فيتفسير الحديث، ورتَّب الزمخشري
هذا الكتاب حسب حروف المعجم ، وكشففيه عن غريب الحديث، فشرح فيه كل
كلمة غريبة اشتمل عليها الحديث.
وقدأثنى ابن حجر العسقلاني على هذا
الكتاب قائلاً : وكتابه الفائق في غريب الحديث منأنفس الكتب لجمعه
المتفرق في مكان واحد مع حسن الاختصار وصحة النقل
و (أساس البلاغة) وهو أبرز الكتب اللغوية التي
خلّفها الزمخشري ، وهو معجم في اللغة العربية رتَّبهالزمخشري حسب
الحرف الأول وما يليه من حروف الهجاء . وكان الزمخشري رائداً في
هذاالترتيب الدقيق،ويمتاز هذا المعجم عن
غيره باختصاصه بذكر الاستعمالاتالمجازية للكلمة في مواضعها من الجمل
إلى جانب معناه الحقيقي. لهذا فهو مليء بأبياتالشعر والعبارات الأدبية
لتوضيح معاني الكلمات في استعمالاتها المختلفة.
و (ربيع الأبرار وفصوص الأخبار) و( متشابه أسامي
الرواة) و ( النصائح الكبار) و ( النصائح الصغار) و (ضالة الناشد في علم الفرائض) و
(المفصل في النحو) و (الأنموذج في النحو) و (المفرد والمؤلف في النحو) و (رؤوس
المسائل في الفقه) و (شرح أبيات كتاب سيبويه)
و(المستقصى في أمثال العرب) كتاب في الأدب العربي
متخصص بالأمثال العربية جمع فيه مصنفهالزمخشري ما يزيد على 1500 مثل
عربي، وهو لا يتناول القصص التي تتعلق بالأمثالولذلك يعد هذا الكتاب
من أهم ما ألف في هذا الموضوع، ورتب فيه الأمثلة ترتيباألفبائيا على
حروف الهجاء.
و(صميم العربية) و (سوائر الأمثال) و (ديوان
التمثيل) و (شقائق النعمان في حقائق الكلام) و (شافي العي من كلام الشافعي) و
(القسطاس في العروض) و (المنهاج في أصول الدين).
وقال ابن خلكان له
(الفائق في غريب الحديث) ، و (ربيع الأبرار)، و (أساس البلاغة) : وفي
هذا الكتاب المعجم يأتي بالمعنى ويقول: معناه كذا والمجاز منه كذا، ويأتي بعدة
معاني يجعلها مجازية، ويجعل معنى واحداً هو الأصل.
وكتاب (مشتبه
أساميالرواة)، وكتاب (النصائح)، و (المنهاج في الأصول)، و (ضالة
الناشد)، کتاب (الامکنه والجبال والمياه، في الجغرافيا).
وكتاب (شرح مقامات الزمخشري): وهو كتاب
تصدى فيه الزمخشري لشرح مقاماته شرحاً مفصلاً تعرض فيه للغة والبلاغة
،واستشهد بكثير من آيات القرآن الكريم، والحديث النبوي، وشعر العرب،
وأمثالهموأخبارهم، وينقسم هذا الكتاب إلى
مجموعة من المقامات التي ألفها الزمخشري مثل:
مقامة المراشد، الرضوان، الزاد، الذهن، الخشية…
الخ.
وكتاب (أطواق الذهب في المواعظ والخطب)،
وهو مختصر يشتمل على مائة مقالة فيالمواعظ والنصائح والحكم ومكارم
الأخلاق، كل منها في بضعة أسطر، ليست مُعنونة.
وقد نبه الأستاذ ولفريد مادلونغ في مقالة له عن
الزمخشري المتكلم (مدريد 1986 في كتاب لمؤتمر هناك) إلى التأثير الكبير لآراء مدرسة
أبي الحسين البصري على الزمخشري كما يبدو في هذه الرسالة.
وعلينا أن نلاحظ أن الزمخشري كان حريصاً على
العرض الموضوعي للآراء المختلفة دون تدخل كبير من جانبه فيها. لكنه في المرات
القليلة التي كان يفضل فيها رأياً على آخر، كان يبدو متأثراً بآراء ابن الملاحمي
(536هـ) المتأثر بدوره بأبي الحسين البصري (436هـ).
وعلي الرغم من أن بعض أعماله بالفارسية، إلا أنّه
كان من المؤمنين بتفوق اللغة العربية و من المعارضين
للشعوبية.
وفاته:
توفي رحمه الله ليلة عرفة بجرجانية خوارزم سنة
538هـ.
من شعره المعروف:
يا من يرى مد البعوض جناحها … في ظلمة الليل
البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها … والمخ من تلك العظام
النحل
ويرى خرير الدم في أوداجها … متنقلا من مفصل في
مفصل
ويرى وصول إذا الجنين ببطنها … في ظلمة الأحشا
بغير تمقل
ويرى مكان الوطء من أقدامها … في سيرها وحثيثها
المستعجل
ويرى ويسمع حس ما هو دونها … في قاع بحر مظلم
متهول
امنن علي بتوبة تمحو بها … ما كان مني في الزمان
الأول
ومن شعره في طلب العلم والصبر عليه:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية
وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة أشهى وأحلى من
مدامة ساقي
وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من
الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي
الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالأماني رتبتي كم بين مستغل
وآخر راقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوما وتبغي
بعد ذاك لحاقي
ومن شعره أيضا:
أنبأني عدة عن أبي المظفر بن السمعاني ، أنشدنا
أحمد بن محمود القاضي بسمرقند ، أنشدنا أستاذي محمود بن عمر :
أَلاَ قُلْ لِسُعْدَى ما لنَا فِيكِ مِنْ
وَطَرْ ومَا تَطَّبِينَا النُّجْلُ مِن أَعْيُنِ
البَقَرْ
فإنَّا اقْتَصَرْنَا بالذين تضَايَقَتْ
عُيُونُهُم واللهُ يَجْزِي مَنِ اقْتَصَرْ
مَلِيحٌ ولكنْ عِنده كُلُّ جَفْوَةٍ
ولمْ أرَ في الدُّنْيَاصَفَاءً بِلا كَدَر
ولمْ أَنْسَ إِذْ غَازَلْتُهُ قُرْبَ رَوْضَةٍ
إلى جَنْبِ حَوْضٍ فِيْهِ للماءِ مُنْحَدَرْ
فقلتُ له جِئْنِي بِوَرْدٍ وإِنَّمَا
أَرَدْتُ به وَرْدَ الخُدُودِ ومَا شَعَرْ
فَقَالَ انْتَظِرْنِي رَجْعَ طَرْفٍ أَجِيءْ بِهِ
فَقُلْتُ لهُ هَيْهَاتَ مَا في مُنْتَظَرْ
فقَالَ ولا وَرْدٌ سِوَى الخَدِّ حَاضِرٌ
فقُلْتُ له إنِّي قَنَعْتُ بِمَا حَضَرْ
قراءة في تفسير الزمخشري:
يعتبر كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون
الأقاويل في وجوه التأويل من أشمل ما وصل إلينا من تفاسير المعتزلة، حيث أن مؤلفه
الزمخشري - رحمه الله- كان
معتزلي الاعتقاد يتبني منهج أهل العدل والتوحيد.
ومع اعتزالية مؤلفه إلا أنه كتاب قيم ولم يسبق
مؤلفه إليه لما فيه من وجوه الإعجاز، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني. فالكتاب
واحد في بابه وعلم شامخ في نظر علماء التفسير وطلابه، وقد اعترف له خصومه بالبراعة
وحسن الصناعة، وإن أخذوا عليه بعض المآخذ التي يرجع أغلبها إلى ما فيه من ناحية
الاعتزال.
قصة تأليف الكشاف:
ذكر الإمام الزمخشري في مقدمة كشافه قصة تأليف
كتابه هذا وضح فيها ما كان منه من التردد بين الإقدام عليه والإحجام عنه أولاً، ثم
العزم المصمم منه على تأليفه حتى أخرجه للناس كتاباً جامعاً نافعاً. فذكر أنه كان
في بداية الأمر يرى من التعجب والاستحسان في وجوه أصحابه وتلاميذه عند تفسيره لبعض
آيات القرآن، مما جعلهم يستطيرون شوقاً إلى تأليف يجمع أطرافاً من ذلك حتى اقترحوا
عليه أن يملي عليهم الكشف حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. وبعد رفض
منه اقتنع في نهاية الأمر وبدأ في الكتابة في الحرم المكي حتى أخرج للناس هذا
الكتاب النافع الجامع.
فنراه يقول وقد رأيت إخواننا في
الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعيين بين علم
العربية والأصول الدينية كلما رجعوا الي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض
الحقائق من الحجبأفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا الى منصف
يضم اطرافا من ذلك حتىاجتمعوا الي مقترحين ان املى عليهم الكشف عن
حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوهالتأويل فاستعفيت فأبوا الا
المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدلوالتوحيد والذي حداني
على الاستعفاء على علمي انهم طلبوا ما الإجابة اليه على واجبهلأنه
الخوض فيه كفرض العين ما ارى عليهالزمان من رثاثة احواله وركاكة رجاله
وتقاصرهممهم عن ادنى عدد هذا العلم فضلا ان تترقى الى الكلام المؤسس
على علمي المعانيوالبيان فأمليت عليهم مسألة في الفواتح وطائفة من
الكلام في حقائق سورة البقرة وكانكلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب
طويل الذيول والأذناب وإنما حاولت به التنبيه علىغزارة نكت هذا العلم
وان يكون لهم منارا ينتحنونه ومثالا يحتذونه فلما صمم العزمعلى معاودة
جوار الله والاناخة بحرم الله فتوجهت تلقاء مكة وجدت في مجتازي بكل
بلدمن فيه مسكة من أهلها وقليل ما هم عطشى الكباد الى العثور على ذلك
المملىمتطلعين الى إيناسه حراصا على اقتباسه فهز ما رأيت من عطفى وحرك
الساكن مننشاطي
وأما قيمة هذا التفسير
العلمية:
فهو تفسير لم يسبق مؤلفه إليه، لما أبان فيه من
وجوه الإعجاز في غير ما آية من القرآن، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني
وبلاغته، وليس كالزمخشري من يستطيع أن يكشف لنا عن جمال القرآن وسحر بلاغته، لما
برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم، لاسيما ما برز فيه من الإلمام بلغة العرب،
والمعرفة بأشعارهم، وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة، والبيان، والإعراب،
والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير الكشاف ثوباً جميلاً لفت
إليه أنظار العلماء وعلق به قلوب المفسرين.
إن قيمة الكتاب إذاً تبرز من خلال علمين مختصين
بالقرآن الكريم وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وبهما برع الزمخشري حتى أصبح سلطان
هذا الفن، فلذا طار كتابه إلى أقصى المشرق والمغرب .
الجديد الذي قدمه الزمخشري في تفسيره:
فتح الزمخشري لنا أعماق دراسة جديدة في البلاغة
القرآنية التطبيقية، انتظمت على ما ابتكره عبد القاهر الجرجاني، وما أضافه هو من
نكت بلاغية، ومعان اعجازية، اعتمدت المناخ الفني فعاد تفسيره المسمى الكشاف عن
حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل كنزاً من المعارف لا تنتهي فرائده،
وقد تجلى فيه ما أضافه من دلالات جمالية في نظم المعاني، وما بحثه من المعاني
الثانوية في تقديم العبارة وعائدية الضمائر، والتركيب اللغوي، وتعلق العبارة بعضها
ببعض من وجهة نظر بلاغية تعتمد على عنايته بالكناية والاستعارة والتشبيه والمجاز
والتمثيل والتقديم والتأخير، عناية فائقة فهو يفصل القول في الفروق المميزة بينها،
ويشير من خلالها إلى المعاني الثابتة، وهو كثير التنقل بالألفاظ القرآنية من
الحقيقة إلى المجاز، ونكاد نقول: إنّ خير تفسير في العربية تحدث في بلاغة القرآن،
واعجازه وسر نظمه وروعة ادائه هو تفسير الزمخشري ، إذ كان تفسيره الأول والأخير في
عالم التفاسير.
وقد أخضع تفسيره هذا للوجهة الكلامية عند
المعتزلة ودافع عنها، وأضاف إليها الدلالات النفسية التي تستنبط كمعنى آخر للآية،
أو كوجه ثان لها، فكأنه يبحث عن معنى المعنى الذي قرره عبد القاهر الجرجاني في
دلائل الاعجاز.
وللزمخشري إشارات دقيقة في التنكير والتعريف،
والفصل والوصل، والمجاز اللغوي والمجاز العقلي وفي التمثيل والتشبيه. وامتاز
الزمخشري على عبد القاهر. إن عبد القاهر قد وجه عنايته بنظريته إلى المعاني ومدى
علاقتها بالنظم، ولم يعر أهمية لبديع القرآن، بينما اهتم بذلك الزمخشري وجعله
أساساً يندرج تحت مفهوم البيان باعتبار البديع أشكالاً وقوالب وصوراً، تفنن بها
القرآن وأبرزها على نحو فني تتميز به أساليب القول.
وبعد هذا، فلا نغالي إذا قلنا: إنّ الزمخشري
من أوائل العلماء البلاغيين الذي كرسوا الجهد في الكشاف لاستجلاء الاعجاز من خلال
الاستعمال البياني في التفسير، وله لقطات أجاد بها في كثير من
المواضع.
ومع هذا لم يسلم هذا الكتاب القيم من الطعن، فقد
حمل عليه قاضي الاسكندرية: أحمد بن محمد بن منصور المنير، وناقشه بكثير من آرائه
بكتاب اسمه: الانتصاف.
وقد سار على نهج الزمخشري في استجلاء الصور
البيانية للقرآن الكريم جمع من المعاصرين، وتفوق عليه بعضهم بتحقيق أجزاء من الصورة
الفنية للقرآن التي ترسم المواقف، وتصور المشاهد، وتشخص العقليات، حتى عاد ما كتب
حديثاً، منهجاً جديداً في إضافته يمثله كل من:
1_ الاستاذ أمين الخولي في: محاضرات في
الامثال القرآنية ألقاها على طلبة الدراسات العليا في كلية الاداب جامعة القاهرة/
مخطوط.
2_ الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطىء في:
أـ التفسير البياني
للقرآن الكريم.
ب_ الاعجاز البياني للقرآن الكريم.
3_ محمد حسين علي الصغير
في:
الصورة الفنية في المثل القرآني/ دراسة نقدية وبلاغية.
أبدع جداً في تأليفه، وهو القائل
شعراً يمدح تفسيره :
إنّ التفاسير في الدنيا بلا عددٍ ** وليس فيها
لعمري مثلُ ( كشافي )
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته ** الكتب كالداء
والكشاف كالشافي
خصائص التفسير ومميزاته:
يمتاز الكشاف بأمور منها:
1- خلوه من الحشو التطويل.
2- سلامته من القصص
والإسرائيليات.
3- اعتماده في بيان المعاني على لغة العرب
وأساليبهم.
4- سلوكه فيما يقصد إيضاحه طرق السؤال والجواب
كثيراً، ويعنون السؤال بكلمة فإن قلتَ ويعنون الجواب بكلمة قلتُ.وهذا مما زاد في
تفسير الكشاف قيمة يجعل النفوس تميل إليه، والطباع راغبة في قراءته
وتناوله.
وقد أشاد كثير من أصحاب
التراجم بهذا المؤلف . فابن خلكان عند حديثه عن هذاالكتاب يذكر أنه لم
يصنف قبل هذا الكتاب مثله
ويؤيده ابن شاكرالكتبي في ذلك حيث يقول
عن هذا الكتاب إنه لم يصنف قبله مثله في المعاني ، والبيان،
والإعراب.
وقد ترك هذا التفسير صدًى واسعاً في الساحة
العلمية، واعتنى الدارسون به شرحاًواختصاراً وتلخيصاً، وطبع مراراً في
الهند ومصر، ومع بعض الطبعات جزء في تفسيرشواهده.
وهكذا نجد الأئمة الذين تكلموا على الإمام
الزمخشري وعلى تفسيره من الناحية الاعتزالية قد أثنوا عليه من الناحية الأدبية
والبلاغية واللغوية .
موقفه من المسائل الفقهية:
ونجد أن الزمخشري لا يتوسع في المسائل الفقهية
أبداً، بل على العكس نرى أنه يتعرض لها إلى حد ما دون الميول إلى مذهبه الحنفي، فهو
معتدل لا يتعصب لمذهبه الفقهي على عكس مذهبه الاعتقادي فإنه متحيز له جداً
.
موقفه من الإسرائيليات:
إن الناظر في كتب التخريجات لأحاديث الكشاف، يجد
أن الزمخشري مُقِلٌ من ذكر الروايات الإسرائيلية، وهو يتبع خطة للكشف عن هذه
الروايات، بأن يصدر الرواية بلفظ روي المشعر بضعف الرواية، وبعدها عن الصحة، وإما
أن يفوض علمه إلى الله تعالى وهذا في الغالب يكون عند ذكره للروايات التي لا يلزم
من التصديق بها مساس الدين، وإما أن ينبه إلى ضعف الرواية وهذا في الغالب يكون عند
الروايات التي لها مساس بالدين وتعلق به .
وهكذا ومن خلال هذا التفسير يظهر الزمخشري بمظهر
المتحيز القوي لاعتزاله، وكذلك يظهر بمظهر العدو لأهل السنة والجماعة مما أثار عليه
خصومه من أهل السنة والجماعة، فتعقبوه بالمناقشة والتفنيد، فرد عليه الكثيرون من
أمثال ابن القيم في (أعلام الموقعين)، وابن تيمية في (مقدمته في أصول التفسير)،
وأبو حيان في (البحر المحيط) وغيرهم كثير.
وبالجملة…نقول إن الكتاب يعتبر من أحسن الكتب التي
يرجع إليها في التفسير من ناحية إعمال العقل والتدبر والنظر، والبلاغة والتي لم
يسبق إليه مؤلفه.
حيث يقول عن فضل الله في توفيقه
لتأليف هذا التفسير وما هي الا آية من آياتها البيت
المحرم وبركةأفيضت علي من بركات هذا الحرم المعظم اسأل الله
ان يجعل ما تعبت فيه منه سبباينجيني ونورا على الصراط يسعى
بين يدي وبيميني ونعم المسؤول.
بعض آراءه السياسية إدانته لتصرفات الدولة
الأموية:
الإمام الزمخشري كان له موقف سياسي محترم جاد
ومميز من الدولة الأموية التي أرتكبت كثيراً من المظالم، فهو يُدين دولة بني أمية
ويصف أمرائها بأنهم الأمراء الجورة وينسب هذه التسمية الي الرسول، وذلك عندما يقول
في تفسير آية واتبع ما يوحي اليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين روي أنها
لما نزلت جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم الأنصار، فقال: إنكم ستجدون بعدي أثرة
فاصبروا حتي تلقوني. يعني أني أمرت في هذه الآية بالصبر علي ما سامتني الكفرة فصبرت
، فاصبروا أنتم علي ما يسومكم الأمراء الجورة….
وعندما يقف علي قول تعالى: يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء
فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا
(النساء 59).
يقول في تفسير هذه الآية:
والمراد بـأولي الأمر منكم أمراء الحق، لأن أمراء الجور: الله ورسوله بريئان منهم،
فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله
والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق، والأمر بهما والنهي عن
أضدادهم، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما
عدلت فيكم، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وعن أبي حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال
له: ألستم أمرتم بطاعتنا [ يعني طاعة الأمويين ] في قوله: وأولي الأمر منكم، قال:
أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله
والرسول. ويضيف الزمخشري قائلا: وقيل هم [= أولو الأمر] أمراء السرايا. وعن النبي
(ص) من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن
يعص أميري فقد عاصني. وقيل: هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم
بالمعروف وينهونهم عن المنكر. فإن تنازعتم في شيء: فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر
منكم في شيء من أمور الدين فردوه إلى الله ورسوله: أي ارجعوا فيه إلى الكتاب
والسنة. ثم يعلق الزمخشري قائلا: وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر
بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك، وهو أنه أمرهم أولا بأداء الأمانات وبالعدل
في الحكم وأمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل. وأمراء الجور لا يؤدون
أمانة ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئا إلى كتاب ولا سنة، إنما يتبعون شهواتهم حيث
ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله، وأحق أسمائهم:
اللصوص المتغلبة.غير أن أقدم الروايات تجعلهم أمراء الرسول على السرايا، أي فرق
المجاهدين.
قال الشافعي في الرسالة: قال بعض أهل العلم: أولو الأمر: أمراء سرايا رسول الله.
والله أعلم، وهكذا أخبرنا. وهو يشبه ما قال، والله أعلم، لأن كل من كان حول مكة من
العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت [العرب ] تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة.
فلما دانت لرسول الله لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله، فأمروا أن يطيعوا أولي
الأمر الذين أمرهم رسول الله، لا طاعة مطلقة، بل مستثناة، فيما لهم وعليهم فقال:
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله، يعني: إن اختلفتم في شيء. وهذا -إن شاء الله-
كما في أولي الأمر، إلا أنه يقول: فإن تنازعتم يعني -والله أعلم- هم وأمراؤهم الذين
أمروا بطاعتهم، فردوه إلى الله والرسول: يعني -والله أعلم- إلى ما قال الله والرسول
إن عرفتموه، فإن لم تعرفوه سالتم الرسول عنه إذا وصلتم، أو من وصل منكم إليه.
ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال عن الآية التي نحن بصددها
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) إنها نزلت في عبد الله بن حذافة بن
قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية
وروي أن قتاده تخلف عن تلقي معاوية حيت قدم
المدينة وقد تلقته الأنصار ثم دخل عليه من بعد فقال له: مالك لم تتلقنا؟ قال: لم
تكن عندنا دواب، قال فاين النواضح: قال قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر!! وقد
قال الرسول : يامعشر الأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة…قال معاوية : فماذا قال؟ قال:
قال فاصبروا حتي تلقوني قال : فاصبر قال : إذن نصبر.
فقال عبدالرحمان بن حسان:
ألا ابلغ معاوية بن حرب أمير الظالمين نثا كلامي (
أي كلامي المعلن)
بأنا صابرون فمنظروكم إلي يوم التغابن
والخصام
نماذج من تفسير الإمام الزمخشري رحمه
الله:
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن
رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }
هذه الآية التي تخبط وخلط فيها كثير من
المفسرين والمتأولين لكن الإمام يذكر ما يقولون ثم يعقب عليهم فيقول همّ بالأمر إذا
قصده وعزم عليه، قال:
همَمْتُ وَلَمْ أفعل وَكِدْتُ
وَلَيْتَنِي تَرَكْتُ عَلَى
عُثْمانَ تَبْكي حَلاَئِلُهْ
ومنه قولك: لا أفعل ذلك ولا كيداً ولا
هماً. أي ولا أكاد أن أفعله كيداً، ولا أهم بفعله هماً، حكاه سيبويه، ومنه: الهمام
وهو الذي إذا همّ بأمر أمضاه ولم ينكل عنه. وقوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ }
معناه. ولقد همت بمخالطته { وَهَمَّ بِهَا } وهمّ بمخالطتها { لَوْلا أَن رأى
بُرْهَانَ رَبّهِ } جوابه محذوف، تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف؛
لأنّ قوله: { وَهَمَّ بِهَا } يدل عليه، كقولك: هممت بقتله لولا أني خفت الله،
معناه لولا أني خفت الله [لقتلته].
ثم يتسائل الإمام ويجيب بأجوبة عقلانية
مفحمة ويقول فإن قلت: كيف جاز على نبيّ الله أن
يكون منه هم بالمعصية وقصدٌ إليها؟ قلت المراد أنّ نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت
إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلاً يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك
الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم. وهو يكسر ما به ويردّه بالنظر في برهان
الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد
المسمى هماً لشدّته لما كان صاحبه ممدوحاً عند الله بالامتناع؛ لأن استعظام الصبر
على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته. ولو كان همه كهمها عن عزيمة، لما مدحه
الله بأنه من عباده المخلصين. ويجوز أن يريد بقوله: { وَهَمَّ بِهَا } وشارف أن يهم
بها، كما يقول الرجل: قتلته لو لم أخف الله، يريد مشارفة القتل ومشافهته. كأنه شرع
فيه فإن قلت: قوله { وَهَمَّ بِهَا } داخل تحت حكم القسم في قوله: { وَلَقَدْ
هَمَّتْ بِهِ } أم هو خارج منه؟ قلت: الأمران جائزان. ومن حق القارىء إذا قدّر
خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على قوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ }
ويبتدىء قوله: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّءَا بُرْهَانَ رَبّهِ } وفيه أيضاً
إشعار بالفرق بين الهمين. فإن قلت: لم جعلت جواب لولا محذوفاً يدل عليه هم بها وهلا
جعلته هو الجواب مقدماً فإن قلت: لأن لولا لا يتقدم عليها جوابها، من قبل أنه في
حكم الشرط، وللشرط صدر الكلام وهو مع ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة، ولا
يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض. وأما حذف بعضها إذا دلّ الدليل عليه فجائز، فإن
قلت: فلم جعلت «لولا» متعلقة بهمّ بها وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله: {
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } لأن الهمّ لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني.
فلا بدّ من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معاً، فكأنه قيل: ولقد
هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما؟ قلت: نعم ما قلت، ولكنّ الله سبحانه وتعالى
قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا }
فكان إغفاله إلغاء له، فوجب أن يكون التقدير، ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها، على
أنّ المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه، وتوصله إلى ما
هو حظه من قضاء شهوته منها { لَوْلا أَن رَّءَا بُرْهَانَ رَبّهِ } فترك التوصل إلى
حظه من الشهوة؛ فلذلك كانت «لولا» حقيقة بأن تعلق بهمّ بها
وحده
وهنا بعد هذا التفصيل اللغوي الدقيق يسرد
الزمخشري بكل حياد علمي وموضوعي بعض ما يقوله المفسرون وقد فسرهمّ يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع، وبأنه حل تكة
سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع
صوتاً: إياك وإياها، فلم يكترث له، فسمعه ثانياً فلم يعمل به، فسمع ثالثاً: أعرض
عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضاً على أنملته.
وقيل: ضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من
أنامله. وقيل: كل ولد يعقوب له اثنا عشر ولداً إلا يوسف، فإنه ولد له أحد عشر ولداً
من أجل ما نقص من شهوته حين همّ، وقيل: صيح به: يا يوسف، لا تكن كالطائر: كان له
ريش، فلما زنى قعد لا ريش له. وقيل: بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم،
مكتوب فيها
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ كِرَاماً
كَـٰتِبِينَ }
[الانفطار: 11] فلم ينصرف، ثم رأى
فيها
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }
[الإسراء:
32] فلم ينته، ثم رأى فيها
{ وَٱتَّقُواْ
يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ }
[البقرة: 281] فلم ينجع فيه، فقال الله لجبريل عليه السلام: أدرك عبدي قبل
أن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل وهو يقول: يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في
ديوان الأنبياء؟ وقيل: رأى تمثال العزيز.
وقيل: قامت المرأة إلى صنم كان هناك
فسترته وقالت: أستحي منه أن يرانا. فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا
أستحي من السميع البصير، العليم بذوات الصدور.
وأخيراً يعلق الإمام علي ما سلف
بقوله وهذا ونحوه. مما يورده أهل الحشو والجبر
الذين دينهم بهت الله تعالى وأنبيائه، وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم
ورواياتهم بحمد الله بسبيل
ويفترض الإمام افتراضاً هاما حيث يقول
ولو وُجِدَت من يوسف عليه السلام أدنى زلة، لنُعِيت
عليه وذُكِرَت توبته واستغفاره، كما نُعِيَت على آدم زلته، وعلى داود، وعلى نوح،
وعلى أيوب، وعلى ذي النون، وذُكِرت توبتهم واستغفارهم
ويتحدث بصيغة
التعجب فيقول كيف وقد أثنى عليه- أي يوسف عليه
السلام- وسمي مخلصاً، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض، وأنه جاهد نفسه
مجاهدة أُولي القوّة والعزم، ناظراً في دليل التحريم ووجه القبح، حتى استحق من الله
الثناء فيما أَنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصداق
لها، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته وضرب صورة كاملة عليها، ليجعل له لسان صدق في
الآخرين، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليه السلام، وليقتدي به الصالحون إلى آخر
الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقف العثار.
ثم يعيب علي أولئك المخالفين ويفند
رواياتهم الهزيلة بقوله فأخزى الله أولئك في
إيرادهم ما يؤدّي إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن
العربي المبين ليقتدي بنبي من أنبياء الله، في القعود بين شعب الزانية وفي حل تكته
للوقوع عليها، وفي أن ينهاه ربه ثلاث كرّات ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع
القرآن، وبالتوبيخ العظيم، وبالوعيد الشديد، وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين
سفد غير أنثاه، وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهي ولا ينتبه، حتى يتداركه الله
بجبريل وبإجباره
ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم وأحدهم حدقة
وأصلحهم وجهاً لقي بأدنى ما لقي به نبي الله مما ذكروا، لما بقي له عرق ينبض ولا
عضو يتحرّك
وينهي حديثه بقوله عن ذلك المذهب الحشوي
الروائي الجبري الهزيل فيقول فيا له من مذهب ما
أفحشه، ومن ضلال ما أبينه”
نصائحة لمن يريد أن يكون من رجال التفسير:
يذكر الزمخشري في مقدمة تفسيره
بعض الوصايا لمن يسعي إلي حمل هذا العلم فيقول إن
أملأ العلوم بما يغمر القرائح وانهضها بما يبهر الألباب القوارحمن غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات اسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا
يتملتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في
كتاب نظم القرآنفالفقيهوإن برز علم
الأقران في علم الفتاوي والأحكام والمتكلم وإن برز أهلالدنيا
في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ
والواعظوإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان من
سيبويه واللغوي وإن علك اللغاتبقوة لحييه لا يتصدى منهم احد
لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائقالا رجل
قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعاني وعلم البيان وتمهل فيارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنها ازمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة
في معرفةلطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله
بعد ان يكون آخذا من سائر العلوم بحظ
جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانا وردع اليه ورد ورد عليه فارسا في علم الإعراب مقدما في حملة الكتاب وكان مع ذلك
مسترسلالطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس
دراكا للمحة وإن لطف شأنهامنتبها على الرمزة وإن خفي مكانها
لا كزا جاسيا ولا غليظا جافيا متصرفا ذا درايةبأساليب النظم
والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلامويؤلف وكيف ينظم ويرصف طالما دفع الى مضايقه ووقع في مداحضه
ومزالقه.
كلمة مأثورة عنه:
اعلم
ان متن كل علم وعمود كل صناعة طبقات العلماء فيه متدانية، وأقدامالصناع فيه متقاربة او متساوية، إن سبق العالم العالم لم يسبقه الا بخطا
يسيرة، اوتقدم الصانع الصانع لم يتقدمه الا بمسافة قصيرة،
وإنما الذي تباينت فيه الرتب وتحاكتفيه الركب ووقع فيه
الاستباق والتناضل وعظم فيه التفاوت والتفاضل حتى انتهى الأمرالى امد من الوهم متباعد وترقى الى ان عد ألف بواحد ما في العلوم
والصناعات منمحاسن النكت والفقر ومن لطائف معان يدق فيها
مباحث للفكر ومن غوامض اسرار محتجبةوراء أستار لا يكشف عنها
من الخاصة الا اوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهمعماة
عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز
نواصيهموإطلاقهم.
شيء من البلاغة:
ظهر أثر هذا الجانب الثقافي في مقامات
الزمخشري بشكل واضح ، ويظهر ذلك فيأسلوب كتابته ، حيث كان
يستخدم العبارات البليغة والكلمات الوعرة قليلة الاستعمال ،فهو يقول في مقامة (التبصر ) : يا أبا القاسم نفسك إلى حالها الأولى
نزَّاءة ،فاغْزُها بسرية من الصبر غزَّاءة ، لعلك تفلُّ
شوكتها وتكسرها ، وتجبرها علىالصَّلاح وتقسرُها ، فإن عَصَتْ
وَعَتَتْ وَعَدَتْ طَوْرَها ، وأقتْ بصحراء التمردزَوْرَها ،
وانقشعتْ عن غُلُبَتِها الغَبَرَة ، ووقعت على مصابرتك الدَّبْرَة ،وعَلِمْتَ أنَّ صبرك وحده لا يقوِّم عنادَها ، ولا يقاوم
أجنادَها …… (49).
ففي هذا النص نلاحظ الكثير من العبارات البليغة
والاستعارات الرائعة ،وكذلك نلاحظ الخيال الواسع ، فالزمخشري
يشخِّص النفس ، ويتحدث عنها كأنها شخص عاقلله نوايا وأفعال
معينة.
وكثيراً ما نجد مثل هذا في مقاماته ،
فالزمخشرييستخدم التعابير البليغة التي تقوم على صحة التعبير
والاستعمال ، وعلى استخدامالكلمات الوعرة مما يدل على مقدار
حفظ الزمخشري واطلاعه على مفردات المعجم اللغوي ،وتقوم كذلك
على استخدام الاستعارات بمختلف أنواعها ، وهذا يدل على قدرة الزمخشريالأدبية ، وتقوم على الخيال الأدبي مما يدل على شاعرية هذا الأديب ، كما
تدل علىهذا الجانب الأبيات التي كان ينثرها هنا وهناك في بعض
مقاماته كما تنثر الزهورعلىالعروس ، فلنقرأ له وهو
يقول :
أثنِ على ربِّ البشـر على الذيأعطى
الشَّبرْ
أعطى الذي عَليَّ الورى بحَصْرِه
ولاحَصَرْ
حَسْبُكَ ما أولاكَ من قلبٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرْ
وَمِن لسان مُطْلَق للذِّكركالسَّيف الذَّكَرْ
آياتُ صِدْق وعِبَرْ وهنَّآلاتُ
العِبَرْ
ففي هذه الأبيات نلاحظ التّأثر
الواضحلثقافة الزمخشري اللغوية والأدبية ، فأول بيت يشير إلى
الرّجز المشهور :
الحمد لله الذي أعطى الشَبَر) الشَّبَر: العطية(
فهنا
يظهرأثر مخزون الزمخشري الثقافي الأدبي ، وكذلك إتيانه في
هذه الأبيات بالجناسوالتشبيهات الجميلة يدل على ذلك
أيضاً.
ما سمي ب"تهمة الإعتزال" :
سيراً علي طريقة البسطاء وصغار طلبة
العلم، عرَّضه اعتزازه باعتناقه للمذهب الاعتزالي ـ والصراع الفكري والعقدي بين أهل
الأثر والحديث والمعتزلة ـ لألسنة بعض علماء المذهب السني
خاصة، فجرَّحوه في عقيدته بسبب تأويله العقلي لآي متشابه في
القرآن الكريم، تأويلاً لا يساير تفسيرهم لمعاني أساليبها، دون التعمق في البحث عن دلالتها البلاغية، وبل وحذروا الناس من قراءة
الكشاف، ولم يتحملوا منهجه التفسيري، الذي يختلف فيه عن تفسيراتهم وآرائهم، وهذه هي
حيل الضعفاء ومفلسي الحجج.
وقد اتخذ هذاالعالم الفذ التأويل وسيلة لمحاولة فهم بعض الأسرار الخفية في الأساليب
القرآنيةوصوره البيانية في حدود قدرات العقل البشري، وهذا ما
جر عليه انتقادات اعتبرت علمهفاسداً، فجرَّحت عقيدته، لتقديم
فهم يناسب القدرة العقلية للقارئ، يمكِّنه من وقايةخياله من
تخيُّل ما لا يليق بذات الحق سبحانه، فدافع بهذا المنهج في التفسير عنترسُّخ وحدانية الله جلَّ وعلا في ذهن المسلم وخياله وقلبه، دفاعاً جرَّه
إلىانتقاد من يخالفه من وجهة نظره التي اتخذت التأويل وسيلة
لتوحيد الله تعالى·
وليس معنى هذا أن كل آراءالزمخشري تتسم بالصواب القطعي، ولكنه اجتهد اجتهاداً تحكمه مقصدية
التوحيدوالتنزيه والتعظيم··· فعلى العلماء الذين جرَّحوا
إيمانه واتجاهه، فقسوا عليه قساوة أدت إلىالتلويح بفساد
عقيدته، ظانين أنهم أعلم منه في ما استدركوه عليه، فإنهم ـ وهميعلمون أنه لم يصرح بالكفر أو الشرك، وهم أعرف الناس بقيمة تفسيره ـ كان
الأجدر بهمألا يتهموه بالسقوط في المهاوي والمهالك التي يسقط
فيها الكافر والمشرك، فيُتركأمره لله تعالى، لأن اتهام
الزمخشريبفساد العقيدة المفضي إلى الكفر ظلمصُراح له، كان عليهم أن يبقى اختلاف الرأي في منأى عن تجريح
العقيدة
·
فحتى الحدود تُدرأ بالشبهات، كما في
الحديث الذي روته عائشة ـ رضي الله عنها ـوهو: قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ادرأوا
الحدود عن المسلمين ما استطعتم،فإن كان له مخرج فخلُّوا
سبيله، فإن الإمام يخطئ في العفو خير من أن يخطئ فيالعقوبة.
طبقات المعتزلة 20، الجواهر المضيئة 2/160، وفيات
الأعيان 5/168، لسان الميزان 6/651، الأعلام 7/178.